23ـ ذراعاه الشريفتان صلى الله عليه وسلم

23ـ ذراعاه الشريفتان صلى الله عليه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

ذِرَاعَاهُ الشَّرِيفَتَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ.

وَمِمَّا ذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ فِي صِفَةِ ذِرَاعَيْهِ قَوْلُ أَحَدِهِمْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَ الزِّنْدَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَقَوْلُهُ: الكَرَادِيسُ: هِيَ رُؤُوسُ الْعِظَامِ، وَاحِدُهَا كُرْدُوسٌ.

وَقِيلَ: هِيَ مُلْتَقَى كُلِّ عَظْمَيْنِ ضَخْمَيْنِ؛ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنَ وَالْمَنْكِبَيْنِ؛ أَرَادَ أَنَّهُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ.

عَلَى هَذِهِ الزِّنْدِ الْمُبَارَكَةِ: حَمَلَ حِجَارَةَ الْمَسْجِدِ مُسَوِّيًا نَفْسَهُ بِأَصْحَابِهِ.

عَلَى هَذِهِ الزِّنْدِ الْمُبَارَكَةِ: كَانَ يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً قُبَيْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ اضْطِجَاعٍ؛ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الصِّلَةُ بِمَوْلَاهُ.

عَلَى هَذَيْنِ الذِّرَاعَيْنِ المُبَارَكَيْنِ جَلَسَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ ـ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ مَحْمُولَةً عَلَى زِنْدِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

هَذَا مِنْ عِنَايَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَطْفَالِهِ، حَتَّى أَلْقَمَ لَهُمْ بَالَهُ حَتَّى أَثْنَاءَ تَأْدِيَتِهِ للعِبَادَةِ.

الأَبْنَاءُ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى، وَهُمْ شَبَابُ الإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، لَا تَكَادُ أَنْ تَعْرِفَ لَهُمْ نَزَوَةً، أَو تَعْهَدَ بِهِمْ صَبْوَةً، يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينَ الصَّالِحَاتِ، أُولَئِكَ لَهُمُ الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ في الدُّنْيَا، وَالنَّعِيمُ المُقِيمُ في الآخِرَةِ، يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى.

وَلَئِنْ تَطَلَّعَتِ الأُمَّةُ لِإِصْلَاحِ نَاشِئَتِهَا، وَرَغِبَتْ أَنْ تَقَرَّ عَيْنُهَا بِصَلَاحِهِمْ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِمْ، وَتَحْصِينِهِمْ بِدُرُوعِ التَّقْوَى، وَأَنْ يَسْلُكُوا بِهِمْ مَسْلَكَ الأَخْيَارِ وَطَرِيقَ الأَبْرَارِ، وَلَا تَفْسُدُ الأُمَمُ إِلَّا حِينَ يَفْسُدُ جِيلُهَا النَّاشِئُ، وَلَا يَنَالُ مِنْهَا الأَعْدَاءُ إِلَّا حِينَ يَنَالُونَ مِنْ شَبَابِهَا وَصِغَارِهَا.

مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ مِنْ أَخْطَرِ المَرَاحِلِ، فَيَجِبُ عَلَى الأَبَوَيْنِ حُسْنُ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ؛ وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَعْنُونَ بِأَبْنَائِهِمْ مُنّذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ، يُعَلِّمُونَهُمُ الخَيْرَ وَالأَدَبَ وَالأَخْلَاقَ بِسُلُوكِهِمْ، وَيُبْعِدُونَهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَيَخْتَارُونَ لَهُمُ المُعَلِّمِينَ الصَّالِحِينَ، وَالمُرَبِّينَ الكَامِلِينَ، وَالحُكَمَاءَ وَالأَتْقِيَاءَ.

وَهَذَا هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ مَكَانَةً، هُوَ قُدْوَتُنَا وَأُسْوَتُنَا في كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى في تَعَامُلِهِ مَعَ الأَطْفَالِ.

بِهَذَيْنِ الذِّرَاعَيْنِ المُبَارَكَيْنِ حَمَلَ أَوْجَاعَهُ، فَحَمَلَ سَيِّدَنَا إِبْرَاهِيمَ وَلَدَهُ الْمُبَارَكَ، وَابْنَتَهُ الْغَالِيَةَ فَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَالْكَثِيرَ مِنْ أَوْجَاعِ أَحْبَابِهِ وَأَصْحَابِهِ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (زَوْجَ مُرْضِعَتِهِ) فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».

أَخَذَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ بِذِرَاعَيْهِ، وَضَمَّهُ إلى صَدْرِهِ، وَشَمَّهُ؛ مَا هَذِهِ الرَّحْمَةُ؟ مَا رِقَّةُ القَلْبِ هَذِهِ؟ مَا هَذَا الذِّرَاعُ الحَانِي؟

نَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ لَا تَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الرَّحْمَةِ وَالحُنُوِّ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ (أَيْ: لَا عَقْلَ لَهُ يَزْبُرُهُ وَيَمْنَعُهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي؛ وَقِيلَ: هُوَ الذي لَا مَالَ لَهُ؛ وَقِيلَ: الذي لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَعْتَمِدُهُ) الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ».

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَتَى أَبَا هُرَيْرَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: مَا وَجَدْتُ عَلَيْكَ فِي شَيْءٍ مُنْذُ اصْطَحَبْنَا إِلَّا فِي حُبِّكَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ.

قَالَ: فَتَحَفَّزَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَهُمَا يَبْكِيَانِ وَهُمَا مَعَ أُمِّهِمَا، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَتَاهُمَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهَا: «مَا شَأْنُ ابْنَيَّ؟».

فَقَالَتِ: الْعَطَشُ.

قَالَ: فَأَخْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَنَّةٍ يَبْتَغِي فِيهَا مَاءً، وَكَانَ الْمَاءُ يَوْمَئِذٍ أَغْدَارًا (مِنْهُ الغَدِيرُ، وَهُوَ المَاءُ الَّذِي يُغَادِرُهُ السَّيْلُ، أَيْ: يَتْرُكُهُ) وَالنَّاسُ يُرِيدُونَ الْمَاءَ، فَنَادَى: «هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَهُ مَاءٌ؟».

فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَخْلَفَ بِيَدِهِ إِلَى كُلَّابِهِ (الكُلَّابُ: اسْمُ مَاءٍ) يَبْتَغِي الْمَاءَ فِي شَنَّةٍ (قُرْبَةٍ يَابِسَةٍ بَالِيَةٍ) فَلَمْ يَجِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطْرَةً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلِينِي أَحَدَهُمَا» فَنَاوَلَتْهُ إِيَّاهُ مِنْ تَحْتِ الْخِدْرِ، فَرَأَيْتُ بَيَاضَ ذِرَاعَيْهَا حِينَ نَاوَلَتْهُ، فَأَخَذَهُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَطْغُو مَا يَسْكُتُ، فَأَدْلَعَ لَهُ لِسَانَهُ (أَخْرَجَهُ) فَجَعَلَ يَمُصُّهُ حَتَّى هَدَأَ أَوْ سَكَنَ، فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ بُكَاءً، وَالْآخَرُ يَبْكِي كَمَا هُوَ مَا يَسْكُتُ، فَقَالَ: «نَاوِلِينِي الْآخَرَ»، فَنَاوَلَتْهُ إِيَّاهُ فَفَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ، فَسَكَتَا فَمَا أَسْمَعُ لَهُمَا صَوْتًا، ثُمَّ قَالَ: «سِيرُوا».

فَصَدَعْنا يَمِينًا وَشِمَالًا عَنِ الظَّعَائِنِ حَتَّى لَقِينَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَنَا لَا أُحِبُّ هَذَيْنِ وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ: عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي».

وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ.

رَاحَتُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَتْ رَاحَتُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعَةً، وَأَصَابِعُهُ طِوَالًا لَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً وَلَا مُتَثَنِّيَةً، مُتَنَاسِقَةً مَعَ حَجْمِ الْكَفِّ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ، فَبَدَتْ فِي اسْتِوَائِهَا وَسُهُولَتِهَا كَأَنَّهَا قُضْبَانُ الْفِضَّةِ.

يَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يَصِفُ رَاحَةَ الْمَحْبُوبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ رَحْبَ الرَّاحَةِ، سَائِلَ الْأَطْرَافِ، كَأَنَّ أَصَابِعَهُ قُضبانُ الْفِضَّةُ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَقَدْ رُوِيَ (سَائِلَ ـ وسَائِرَ ـ وسَائِنَ).

فَقَوْلُهُ: (سَائِلَ) الْأَطْرَافِ: أَيْ: مُمْتَدَّهَا.

وَ(سَائِرَ) بِالرَّاءِ: مِنَ السَّيْرِ، بِمَعْنَى طَوِيلِهَا.

وَ(سَائِنَ) بِالنُّونِ: غَيْرَ مُتَعَقِّدَةٍ وَلَا مُتَثَنِّيَةٍ.

وَمِنْ خَصَائِصِ رَاحَتَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: جَمَالُ الْبُرُودَةِ وَالطِّيبِ، وَالْمَلْمَسُ الدَّافِئُ الْحَرِيرُ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ لَامَسَ ذَلِكَ عِيَانًا فَنَقَلَهُ لَنَا بَيَانًا: مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَدِّي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا ورِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُونَةِ عَطَّارٍ. رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

وَيَقُولُ أَبُو جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَخَذْتُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَيَصِفُ الْمُحِبُّ سَيِّدُنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدَ الْحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَليَنَ من كَفِّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

هَاتَانِ الرَّاحَتَانِ رُفِعَتَا إِلَى السَّمَاءِ دُعَاءً بِالنَّصْرِ وَبِالرَّجَاءِ وَبِالاسْتِسْقَاءِ؛ فَكَانَ الْغَيْثُ وَالْخَيْرُ وَالنَّصْرُ وَالشِّفَاءُ.

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رُؤُوسَ الصَّحَابَةِ؛ فَظَلَّ أَثَرُ مَسْحَتِهِ عَشَرَاتِ السِّنِينَ.

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: دَلَّكَ جِسْمَ عُتْبَةَ؛ فَعَبَقَ بِهِ الْمِسْكُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ ظلَّ مَذْكُورًا.

عَلَى هَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: حَصَلَتِ الْمُعْجِزَاتُ، فَمَسَحَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَدَرَّ لَبَنًا، وَرَمَى الْحَجَرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ فَأَحْدَثَ نَصْرًا، وَامْتَزَجَ في المَاءِ فَصَارَ نَبْعًا، وَمَسَحَ ضَعِيفًا فَصَارَ قَوِيًّا، وَلَامَسَ المَرَضَ فَغَدَا مُعَافًى، وَأَمَسَكَ حَجَرًا فَهَامَ بِهِ، وَعَلَا بِصَوْتِهِ للهِ مُسَبِّحًا.

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: مَسَحَ عَلَى رَأْسِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ الجُذَامِيِّ وَدَعَا لهُ فَطَالَ عُمُرُهُ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِئَةِ سَنَةٍ، وَرَأْسُهُ أَبْيَضُ، وَمَسَحَ وَجْهَ آخَرَ فَمَا زَالَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ.

وَمَسَحَ وَجْهَ قَتَادَةَ بْنَ مِلْحَانَ فَكانَ لِوَجْهِهِ بَريقٌ حتَّى كَانَ يُنْظَرُ في وجْهِهِ كَمَا يُنْظَرُ في المِرْآةِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ حِينَ حُضِرَ، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي أَقْصَى الدَّارِ، قَالَ: فَأَبْصَرْتُهُ فِي وَجْهِ قَتَادَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانَ.

قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ.

وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ حَنْظَلَةَ بْنِ حِذْيَمٍ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، فَكَانَ حَنْظَلَةُ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ وَرِمَ وَجْهُهُ، وَالشَّاةِ قَدْ وَرِمَ ضَرْعُهَا فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَنْظَلَةَ بَنِ حِذْيَمٍ، أَنَّ جَدَّهُ حَنِيفَةَ قَالَ لِحِذْيَمٍ: اجْمَعْ لِي بَنِيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أُوصِي أَنَّ لِيَتِيمِي هَذَا الَّذِي فِي حِجْرِي مِئَةً مِنَ الْإِبِلِ، الَّتِي كُنَّا نُسَمِّيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْمُطَيَّبَةَ، فَقَالَ حِذْيَمٌ: يَا أَبَتِ، إِنِّي سَمِعْتُ بَنِيكَ يَقُولُونَ: إِنَّمَا نُقِرُّ بِهَذَا عِنْدَ أَبِينَا، فَإِذَا مَاتَ رَجَعْنَا فِيهِ، قَالَ: فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ حِذْيَمٌ: رَضِينَا، فَارْتَفَعَ حِذْيَمٌ، وَحَنِيفَةُ، وحَنْظَلَةُ مَعَهُمْ غُلَامٌ، وَهُوَ رَدِيفٌ لِحِذْيَمٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَفَعَكَ يَا أَبَا حِذْيَمٍ؟».

قَالَ: هَذَا، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ حِذْيَمٍ، فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَفْجَأَنِي الْكِبَرُ، أَوِ الْمَوْتُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُوصِيَ، وَإِنِّي قُلْتُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أُوصِي أَنَّ لِيَتِيمِي هَذَا الَّذِي فِي حِجْرِي مِئَةً مِنَ الْإِبِلِ، كُنَّا نُسَمِّيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْمُطَيَّبَةَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْنَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ قَاعِدًا فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: «لَا، لَا، لَا الصَّدَقَةُ خَمْسٌ، وَإِلَّا فَعَشْرٌ، وَإِلَّا فَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَإِلَّا فَعِشْرُونَ، وَإِلَّا فَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَإِلَّا فَثَلَاثُونَ، وَإِلَّا فَخَمْسٌ وَثَلَاثُونَ، فَإِنْ كَثُرَتْ فَأَرْبَعُونَ».

قَالَ: فَوَدَعُوهُ وَمَعَ الْيَتِيمِ عَصًا، وَهُوَ يَضْرِبُ جَمَلًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَظُمَتْ هَذِهِ هِرَاوَةُ يَتِيمٍ».

قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَنَا بِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي بَنِينَ ذَوِي لِحًى، وَدُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّ ذَا أَصْغَرُهُمْ، فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ». أَوْ «بُورِكَ فِيهِ».

قَالَ ذَيَّالٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ، يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ، أَوِ بِالْبَهِيمَةِ الْوَارِمَةِ الضَّرْعِ، فَيَتْفُلُ عَلَى يَدَيْهِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَمْسَحُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ذَيَّالٌ: فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ.

وَنَضَحَ في وَجْهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ نَضْحَةً مِنْ مَاءٍ فَمَا يُعْرَفُ كَانَ في وجْهِ امْرَأَةٍ مِنَ الجَمَالِ مَا بِهَا؛ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ صَبِيٍّ بِهِ عَاهَةٌ فَبَرِئَ.

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: أَنْفَقَ وَأَغْدَقَ وَتَصَدَّقَ.

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: ضَمَّ زَاهِرًا أَمَامَ النَّاسِ، وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ، وَقَدْرِهِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ».

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ.

فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ـ أَوْ قَالَ: ـ لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ».

بِهَاتَيْنِ الرَّاحَتَيْنِ: جَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.

تَـتَّقِي بَـأْسَهَا المُلُوكُ وَتَـحْظَى    ***   بِــالــغِنَى مِــنْ نَوَالِهَا الفُقَرَاءُ

لَا تَسَلْ سَيْلَ جُـودِهَا إِنَّمَا يَـكُ   ***   فِيكَ مِنْ وَكْفِ سُحْبِهَا الأَنْدَاءُ

دَرَّتِ الشَّاةُ حِينَ مَـرَّتْ عَلَيْهَا    ***   فَــلَـــهَـــا ثَرْوَةٌ بِــهَا وَنَــمَاءُ

نَبَعَ المَاءُ أَثْمَرَ النَّخْلُ في عَــــا    ***   مٍ بِــهَا سَــبَّحَتْ بِـهَا الحَصْبَاءُ

وَأَزالَـتْ بِــلَمْسِهَا كُـــلَّ دَاءٍ    ***   أَكْـــبَـرَتْهُ أَطِــبَّةٌ وَإِسَــــــاءُ

وَعُـيُونٌ مَـرَّتْ بِـهَا وَهْيَ رُمْدٌ   ***   فَـــأَرَتْهَا مَــــا لَمْ تَــرَ الزَّرْقَاءُ

وَأَعَــادَتْ عَـلَى قَــتَادَةَ عَـيْنًا    ***   فَــهْيَ حَــتَّى مَــمَاتِهِ النَّجْلَاءُ

بِهَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ: ـ يَقِينِي بِاللهِ تعالى ـ أَنْ نَشْرَبَ مِنْ حَوْضِهِ الْأَكْبَرِ، وَنَهْرِهِ الْكَوْثَرِ، شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَنَلْمِسَ حُنُوَّهَا وَهِيَ تَأْخُذُ بِأَيْدِينَا إِلَى جَنَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

بِهَاتَيْنِ اليَدَيْنِ وَهَذِهِ الرَّاحَةِ: يَسْبِقُنَا إلى بَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَعْقِعُهَا، وَيُمْسِكُ أَبْنَاءَ أُمَّتِهِ وَأَحْبَابَهُ يَحْمِيهِمْ فِي الصِّرَاطِ وَعِنْدَ زَلَّةِ الأقْدَامِ؛ فَيَكُونُ ضَمَانًا وَأَمَانًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مُحِبٍّ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ».

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا رُؤْيَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 8/ محرم /1445هـ، الموافق: 26/ تموز / 2023م