28ـ رحمته للعالمين

28ـ رحمته للعالمين

مقدمة الكلمة:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ سِوَاهُ، وَفي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى عُلُوِّ قَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرِفْعَةِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

لَقَدْ جَعَلَهُ رَحْمَةً عَامَّةً شَامِلَةً، كَمَا جَعَلَهُ رَحْمَةً خَاصَّةً أَيْضًا.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ نَعْلَمُ عُلُوَّ قَدْرِهِ الشَّرِيفِ الذي لَا يُدَانِيهِ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ، وَلَا يُقَارِبُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ، حَيْثُ فَاقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ.

لَقَدْ جَعَلَهُ رَحْمَةً للعَالَمِينَ وَلَيْسَ للبَشَرِ فَقَطْ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تِلْكَ المَكَانَةِ العَالِيَةِ، وَالمَنْزِلَةِ السَّامِيَةِ، وَالمَرْتَبَةِ الكَامِلَةِ الفَرِيدَةِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ:

أَوَّلًا: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى كَلِمَةَ ﴿رَحْمَةً﴾ نَكِرَةً لِتَكُونَ عَامَّةً شَامِلَةً، فَهِيَ عَامَّةٌ في أَبْعَادِهَا، شَامِلَةٌ في جُزْئِيَّاتِهَا، لَاحِقَةٌ لِكُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا مِنَ المَخْلُوقَاتِ.

ثَانِيًا: قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَا﴾ نَفْيٌ، وَجَاءَ بَعْدَهُ الحَصْرُ، وَالحَصْرُ بَعْدَ النَّفْيِ يُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ، فَكَانَتْ رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسْتَغْرِقَةً كُلَّ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثَالِثًا: هَذِهِ الرَّحْمَةُ مُهْدَاةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَتْ مِنْ صُنْعِ البَشَرِ، وَلَا دَخْلَ للبَشَرِ فِيهَا، فَلَمْ يَنَلْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمُجَاهَدَةٍ وَلَا تَدْرِيبٍ، وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تعالى جَعَلَهَا في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾. هَذِهِ اللُّيُونَةُ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، إِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تعالى، يَمْتَنُّ جَلَّ شَأْنُهُ بِهَا عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِيمَا أَلَانَ بِهِ قَلْبَهُ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ، وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ وَتَرَكَ زَجْرَهُ.

رابِعًا: هَذِهِ الرَّحْمَةُ التي اتَّصَفَ بِهَا النَّبِيُّ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً في شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، أَو في جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَو في خَلْقٍ مُعَيَّنٍ، أَو لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، لَكِنَّهَا في كُلِّ المُجَالَاتِ، فَكَمَا هِيَ في الدِّينِ وَالدُّنْيَا، هِيَ سَبَبٌ للسَّعَادَةِ في الدَّارَيْنِ، وَمُوجِبٌ لِصَلَاحِ المَعَاشِ وَالمَعَادِ، هِيَ مُوجِبٌ للثَّوَابِ لِمَنْ أَطَاعَ، وَرَافِعَةٌ لِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ لِمَنْ عَصَى وَخَابَ، هِيَ هِدَايَةٌ إلى طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، أَو رَفْعُ مَا كَانَتْ تُصَابُ بِهِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ عَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، الذي كَانَ يُصِيبُ الأُمَّةَ كُلَّهَا، بَلْ قَدْ يُصِيبُ غَيْرَهُمْ أَيْضًا، مِنْ غَرَقٍ وَخَسْفٍ وَمَسْخٍ وَصَعْقٍ، هِيَ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنَ العَالَمِينَ.

خَامِسًا: هَذِهِ الرَّحْمَةُ شَامِلَةٌ لِكُلِّ الخَلْقِ، إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، صَالِحِهِمْ وَفَاسِدِهِمْ، عُلْوِيِّهِمْ وَسُفْلِيِّهِمْ، مَرْئِيِّهِمْ وَمَخْفِيِّهِمْ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: اللهُ أَرْسَلَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِجَمِيعِ العَالَمِ: مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ.

فَأَمَّا مُؤْمِنُهُمْ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى هَدَاهُ بِهِ، وَأَدْخَلَهُ بِالإِيمَانِ بِهِ، وَبِالعَمَلِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.

وَأَمَّا الكَافِرُ فَإِنَّهُ دُفِعَ بَهِ عَنْهُ عَاجِلُ البَلَاءِ، الذي كَانَ يَنْزِلُ بِالأُمَمِ المُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا مِنْ قَبْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ المَسْخُ وَالخَسْفُ وَالاسْتِئْصَالُ.

يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ اللهَ جَعَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، أَيْ أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لَهُمْ كُلِّهِمْ، فَمَنْ قَبِلَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ وَشَكَرَ هَذِهِ النِّعْمَةَ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ رَدَّهَا وَجَحَدَهَا خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اهـ.

سَادِسًا: شُمُولِيَّةُ ﴿العَالَمِينَ﴾: إِنَّ كَلِمَةَ العَالَمِينَ شَامِلَةٌ للسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، مِنْ بِحَارٍ وَقِفَارٍ، وَجِبَالٍ وَوُدْيَانٍ، وَنَبَاتٍ وَثِمَارٍ، وَأَنْهَارٍ وَأَشْجَارٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الهَوَاءِ وَالطَّيْرِ وَالمَاءِ، وَالحَيَوَانِ وَالإِنْسِ وَالجِنِّ، وَالجَامِدِ وَالسَّائِلِ، وَالمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ، وَالنَّاطِقِ وَالسَّاكِتِ، وَمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الجَوُّ وَبَاطِنُ الأَرْضُ، وَمَا نَرَاهُ وَمَا لَا نَرَاهُ، وَمَا في السَّمَاءِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، كُلُّ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ يَشْمَلُهُ لَفْظُ ﴿العَالَمِينَ﴾ هَذَا هُوَ مَعْنَاهُ بِالمَعْنَى العَامِّ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الرَّحْمَةُ شَامِلَةٌ في دَعْوَتِهَا، وَاسِعَةٌ في فُرُوعِهَا، عَامَّةٌ في تَعَلُّقَاتِهَا، بَارِزَةٌ في مَظْهَرِهَا، مُفْرَدَةٌ في مَنْشَئِهَا، لَكِنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِرَبِّهَا جَلَّ شَأْنُهُ الذي خَلَقَهَا وَأَرْسَلَهَا، لِهَذَا قَالَ في مَنْشَئِهَا: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾.

لِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ ظَاهِرَةً في إِنْسَانِيَّةِ الإِنْسَانِ الكَامِلِ، الذي لَمْ تَعْرِفِ البَشَرِيَّةُ لَهُ نَظِيرًا، حَيْثُ ذَابَتْ فِيهِ جَمِيعُ الفَوَارِقِ،  وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ لَوْنٍ أَو جِنْسٍ أَو وَطَنٍ أَو عَشِيرَةٍ أَو فَوَارِقَ أُخْرَى، وَرَبَطَتْهَا جَمِيعًا بِرِبَاطٍ وَاحِدٍ، هُوَ الرِّبَاطُ بِاللهِ تعالى، لَا بِسِوَاهُ، إِنَّهَا شَخْصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الرَّحْمَةُ التَّامَّةُ الكَامِلَةُ الشَّامِلَةُ المُهْدَاةُ، الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى، وَمَيَّزَهُ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَفْرَدَهُ بِمِيزَاتٍ لَا تُوجَدُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، فَقَرَّبَ بِلَالًا الحَبَشِيَّ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيَّ، وَصُهَيْبًا الرُّومِيَّ، وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ المَوَالِي، عَلَى أَبِي لَهَبٍ الهَاشِمِيِّ، وَأَبِي جَهْلٍ القُرَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حُسْنَ مُعَامَلَةِ المُصْطَفَى الكَرِيمِ للكُفَّارِ المُكَابِرِينَ وَالأَعْدَاءِ المُعَانِدِينَ في عَصْرِهِ، وَمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ الكَامِلَةِ التَّامَّةِ، وَالأَخْلَاقِ العَالِيَةِ، وَالصِّفَاتِ السَّامِيَةِ، كُلُّ ذَلِكَ أَثَّرَ تَأْثِيرًا كَبِيرًا فِيهِمْ، فَجَعَلَهُمْ يَنْقَادُونَ مُرْغَمِينَ مِنْ دَاخِلِهِمْ، فَأَسْلَمَتْ جَمِيعُ تِلْكَ القَبَائِلِ.

فَلَو نَظَرْنَا إلى قُرَيْشٍ وَمَا فَعَلَتْ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، رَأَيْنَاهَا قَدْ أَسْلَمَتْ ـ إِمَّا طَوَاعِيَةً ـ بَعْدَمَا اتَّضَحَ لَهُمُ الحَقُّ، وَبَانَ لَهُمُ النُّورُ، وَانْقَدَحَ في نُفُوسِهِمُ اليَقِينُ وَالبُرْهَانُ ـ وَإِمَّا رَغْمًا ـ ثُمَّ صَدَقُوا وَأَحْسَنُوا، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إِلَّا أَكْثَرُ مِنْ مِئَةِ نَفْسٍ بِقَلِيلٍ، مِنْ أَوَّلِ الهِجْرَةِ إلى يَوْمِ الفَتْحِ، الذي ظَهَرَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ بِأَكْمَلِ صُوَرِهَا، وَأَجْمَلِ مَظْهَرِهَا، وَصَارَ أَعْدَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالأَمْسِ أَكَابِرَ أَنْصَارِهِ، وَأَعَاظِمَ أَعْوَانِهِ، وَأَشَدَّ المُدَافِعِينَ عَنْهُ، وَالفَادِينَ لَهُ بِكُلِّ غَالٍ، بَعْدَ طُولِ ضَلَالٍ، وَغَرَقٍ في بِحَارِ الوَثَنِيَّةِ، وَإِيضَاعٍ في صُنُوفِ العَدَاوَةِ وَالصَّدِّ وَالبُهْتَانِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا نَاصِرَ إِلَّا الذي أَرْسَلَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ، التي شَمَلَهُمْ بِهَا، وَأَيْقَنُوا بِجَدْوَاهَا، لِذَا سَارَعُوا إلى الانْطِوَاءِ تَحْتَ ظِلِّهَا، وَالانْضِوَاءِ تَحْتَ جَنَاحِهَا، وَالتَّفَيُّؤِ بِظِلَالِهَا.

وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلى اليَوْمِ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ، وَسَيَسْتَمِرُّ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَمَا نَرَاهُ وَنَسْمَعُهُ عَنْ هَذِهِ الأَعْدَادِ الكَثِيرَةِ التي تُعْلِنُ إِسْلَامَهَا يَوْمِيًّا، وَفي مَنَاطِقَ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ العَالَمِ، وَتَنْضَمُّ إلى جَمَاعَةِ المُؤْمِنِينَ طَوَاعِيَةً ـ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ دُعَاةٍ كَافِينَ، وَبِعْثَاتٍ مُتَخَصِّصَةٍ، وَعُلَمَاءَ مُهْتَمِّينَ، بِالعَدَدِ الكَافِي ـ إِلَّا بُرْهَانٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الغَافِلُونَ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 26/صفر /1445هـ، الموافق: 11/أيلول / 2023م