22ـ أينا أسرع بك لحوقًا

22ـ أينا أسرع بك لحوقًا

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِحْدَى نِسَائِهِ أَنَّهَا أَوَّلُهُنَّ لُحُوقًا بِهِ.

أَوَّلًا: رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟

قَالَ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا».

فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.

ثَانِيًا: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا».

قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا.

قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ.

ثَالِثًا: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَتْ: اجْتَمَعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْنَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيَّتُنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟

فَقَالَ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا».

فَأَخَذْنَا قَصَبًا فَذَرَعْنَاهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ أَطْوَلَنَا ذِرَاعًا.

فَقَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا، فَعَرَفْنَا بَعْدُ إِنَّمَا كَانَ طُولُ يَدِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً: قَصَبَةً نَذْرَعُهَا.

رَابِعًا: رَوَى الحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ: «أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا».

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ إِحْدَانَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الْجِدَارِ نَتَطَاوَلُ، فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَنَا، فَعَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الصَّدَقَةَ.

قَالَ: وَكَانَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةً صَنَّاعَةَ الْيَدِ فَكَانَتْ تَدْبُغُ وَتَخْرُزُ وَتَصَدَّقُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

خَامِسًا: رَوَى البَزَّارُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُدْخِلُ هَذِهِ قَبْرَهَا؟

فَقُلْنَ: مَنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهَا.

ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَسْرَعُكُنَّ بِي لُحُوقًا أَطْوَلُكُنَّ يَدًا».

فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنَاعًا تُعِينُ بِمَا تَصْنَعُ فِي سَبِيلِ اللهِ.

في هَذِهِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْ وَفَاةِ زَوْجَتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةِ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَأَنَّهَا أَوَّلُ نِسَائِهِ لُحُوقًا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَفِيهَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ ظَاهِرَةٌ للسَّيِّدَةِ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

مَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ:

أَوَّلًا: جَوَازُ التَّكْنِيَةِ، حَيْثُ كَنَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّدَقَةِ بِطُولِ اليَدِ، لِهَذَا يُقَالُ: فُلُانٌ طَوِيلُ اليَدِ، وَطَوِيلُ البَاعِ، إِذَا كَانَ سَمْحًا جَوَادًا، وَضِدُّهُ قَصِيرُ البَاعِ وَاليَدِ.

وَفِيهَا تَحْرِيضٌ عَلَى الصَّدَقَةِ، حَيْثُ يَنْدَرِجُ المُتَصَدِّقُ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟

قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ».

ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى﴾.

ثَانِيًا: قَدْ يَظُنُّ السَّامِعُ أَنَّ هُنَاكَ إِشْكَالًا بَيْنَ رِوَايَةِ الإِمَامِ البُخِارِيِّ، وَرِوَايَةِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ، وَرِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَالحَقِيقَةُ: لَا تَعَارُضَ بَينَ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ، فَرِوَايَةُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ أَنَّ سَوْدَةَ أَطْوَلُهُنَّ يَدًا حِسًّا، وَذَلِكَ عِنْدَمَا ذَرَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ.

وَقَوْلُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ) يَعْنِي: أَوَّلُ وَاحِدَةٍ تَلْحَقُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَكْثَرُ نِسَائِهِ صَدَقَةً، فَكَانَتِ السَّيِّدَةُ زَيْنَبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلَ نِسَائِهِ لُحُوقًا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَهَذَا مَا ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

أَمَّا رِوَايَةُ الإِمَامِ أَحْمَدَ التي وَرَدَ فِيهَا: (فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا) هُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ نَشَأَ مِنَ النَّاسِخِ.

وَالصَّوَابُ: (فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا) وَهَذَا مَا يُؤَكِّدُهُ تَمَامُ الحَدِيثِ فَعَرَفْنَا بَعْدُ إِنَّمَا كَانَ طُولُ يَدِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، يَعْنِي السَّيِّدَةَ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَنْ جَمِيعِ أُمَّهَاتِنَا أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ.

ثَالِثًا: مَكَانَةُ السَّيِّدَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي بَيْتِ النُّبُوَّةِ.

فَهِيَ الصَّوَّامَةُ القَوَّامَةُ، الخَاشِعَةُ العَابِدَةُ المُتَبَتِّلَةُ، التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، أَعْظَمُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً وَإِنْفَاقًا وَبِرًّا وَرَحْمَةً وَإِشْفَاقًا، وَهِيَ أُمُّ المَسَاكِينِ، وَسَكَنُ الأَرَامِلِ وَاليَتَامَى وَالمُحْتَاجِينَ، هِيَ الشَّرِيفَةُ الطَّاهِرَةُ التي جَمَعَتِ الشَّرَفَ مِنْ جَمِيعِ أَطْرَافِهِ وَأَسْبَابِهِ، وَحَازَتِ الفَضْلَ مِنْ جَمِيعِ أَبْوَابِهِ.

زَوْجُهَا أَشْرَفُ خَلْقِ اللهِ تعالى عَلَى الإِطْلَاقِ، وَأُمُّهَا عَمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَالُهَا سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

تَقُولُ فِيهَا أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ؛ وَأَتْقَى للهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.

وَجَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقْسِمُ مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ وَمَا مِنْهُمْ إِلَّا ذَا قَرَابَةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا عَمَّ أَزْوَاجَهُ عَطِيَّتُهُ قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مِنْ نِسَائِكَ امْرَأَةٌ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى أَخِيهَا أَوْ أَبِيهَا أَوْ ذِي قَرَابَتِهَا عِنْدَكَ فَاذْكُرْنِي مِنْ أَجْلِ الَّذِي زَوَّجَنِيكَ، فَأَحْرَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهَا وَبَلَغَ مِنْهُ كُلَّ مَبْلَغٍ فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ فَقَالَتْ: أَعْرِضْ عَنِّي يَا عُمَرُ، فَوَاللهِ لَوْ كَانَتْ بِنْتَكَ مَا رَضِيتَ بِهَذَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْرِضْ عَنْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّهَا أَوَّاهَةٌ».

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْأَوَّاهُ؟

قَالَ: «الْخَاشِعُ الدَّعَّاءُ الْمُتَضَرِّعُ».

ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾.

جَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُخْتِهِ بَرَّةَ بِنْتِ رَافِعٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ الْعَطَاءُ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِعَطَائِهَا فَأُتِيَتْ بِهِ وَنَحْنُ عِنْدَهَا قَالَتْ: مَا هَذَا؟

قَالُوا: أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكِ عُمَرُ.

قَالَتْ: غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَاللهِ لَغَيْرِي مِنْ أَخَوَاتِي كَانَتْ أَقْوَى عَلَى قَسْمِ هَذَا مِنِّي.

قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَكِ كُلَّهُ.

قَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ فَجَعَلتْ تَسْتُرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِجِلْبَابِهَا أَوْ بِثَوْبِهَا، ضَعُوهُ اطْرَحُوا عَلَيْهِ ثَوْبًا.

ثُمَّ قَالَتْ: اقْبِضْ، اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ مِنْ أَهْلِ رَحِمِهَا وَأَيْتَامِهَا.

حَتَّى بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ تَحْتَ الثَّوْبِ.

قَالَتْ: فَأَخَذْنَا مَا تَحْتَ الثَّوْبِ فَوَجَدْنَاهُ بَضْعَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءٌ لِعُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا أَبَدًا؛ فَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوقًا بِهِ.

فَبَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ، فَوَقَفَ بِبَابِهَا وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِالسَّلَامِ، وَقَالَ:

بَلَغَنِي مَا فَرَّقْتِ، فَأُرْسِلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ تَسْتَبِقِينَهَا.

وَأَرْسَلَ الأَلْفَ، فَتَصَدَّقَتْ بِهَا جَمِيعًا، لَمْ تُبْقِ مِنْهَا دِرْهَمًا.

وَحِينَ حَضَرَتْهَا الوَفَاةُ ـ سَنَةَ عِشْرِينَ ـ قَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَعْدَدْتُ كَفَنِي، وَإِنَّ عُمَرَ سَيَبْعَثُ إِلَيَّ بِكَفَنٍ، فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِهِمَا، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَتَصَدَّقُوا بِحِقْوِي ـ إِزَارِي ـ فَافْعَلُوا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 20/ محرم /1446هـ، الموافق: 26/ تموز / 2023م