7ـ مشكلات وحلول: بيع جزء من التركة لبعض الورثة بيعاً صورياً وحرمان الباقي

 

السؤال: رجل قبل وفاته قام ببيع الجزء الأكبر من ممتلكاته لبعض الورثة ولزوجته بيعاً صورياً، فهل يحق لبقية الورثة الذين حرموا من ميراث أبيهم أن يطالبوا الزوجة والذين اشتروا شراء صورياً بإعادة المال للتركة، ثم يقتسم الجميع ميراث مورثهم قسمة شرعية كما أمر الله تعالى؟

الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فمن الواجب على الإنسان المؤمن أن يستجيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل أمر ونهي، لأن الحياة الكريمة والطيبة لا تكون إلا بذلك، وذلك لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} وإذا ما قضى الله ورسوله أمراً فيجب على المؤمن والمؤمنة أن يتركا اختيارهما لما اختاره الله تعالى، وأن يستقبلا ذلك من خلال قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} ومن خلال قوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

ومن الواجب على المؤمن كذلك أن يترك هواه لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، وصححه النووي في الأربعين.

وإنه لمن الملاحظ في حياة الموسرين أنهم يتصرفون بأموالهم في حال حياتهم تصرف العبد الحر بدون العودة إلى هدي دينه، حتى رأينا آيات المواريث عُطّلت أحكامها، وقلما أن تجد موسراً يترك رغبته وهواه لما جاء به القرآن والسنة فيما يتعلق بماله الذي آتاه الله إياه، وهو سائله عنه يوم القيامة، كما جاء في الحديث الشريف: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي وقال: حديث حسن صحيح.

ووالله الخير كل الخير في اتباع الكتاب والسنة، وخاصة في الشؤون المالية، لأن الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله في الأمور المالية هو الضمان لتماسك الأسرة في حال حياة الأبوين وبعد موتهما، ولننظر إلى قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين} تدبر ختام الآية: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً}.

أما يجب على المؤمن أن يترك علمه وحكمته لعلم الله وحكمته؟ لماذا يأتي الرجل أو المرأة قبل الوفاة بتقسيم هذا المال من خلال علمه وحكمته القاصرة ليميز بين الأبناء والبنات، وليغرس في قلوبهم لا قدر الله الحقد والحسد والبغضاء نحو بعضهم البعض ونحو آبائهم؟

ووالله كم من الأبناء والبنات من يدعو الله على أبويه لأنهما حرموهم من الميراث بتقسيم المال تقسيماً عشوائياً بحجة هذا طائع لهما وهذا عاص؟ وكم وكم تمزقت روابط الأسرة بين الإخوة والأخوات بسبب سوء التصرف في المال من آبائهم؟ فجعل الآباءُ المالَ بسوء تصرفهم فيه حال حياتهم همزة قطع بين أبنائهم وبناتهم.

أما علمنا بأن العاق مريض؟ أما علمنا بأن العقوق سبب في دخول الولد النار إذا لم يرحم الله عز وجل عبده؟ أما علمنا بأن المريض بحاجة إلى عناية أشد وأكبر؟ أما علمنا بأن معالجة الولد العاق قد تكون بشيء من المال حيث تنقله من العقوق إلى البر؟ أما علمنا بأن العقوق لا يمنع من الحقوق؟ أما علمنا بأن كثيراً من الآباء والأمهات عقوا أبناءهم قبل أن يعقهم أبناؤهم؟ أما علمنا كم هو تقصيرنا في تربية أبنائنا حتى أصبحنا نخاف على المال بعد موتنا أكثر من خوفنا على أبنائنا من نار جهنم؟

ولقد نسي الكثير من الآباء والأمهات قول الله عز وجل: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}.

أخي الحبيب: ربِّ أولادك وبناتك على الكتاب والسنة، ولا تخش عليهم بعد ذلك من ضيق الرزق إن كانوا فقراء، رب أولادك على الالتزام بالكتاب والسنة من خلال التزامك أنت بالكتاب والسنة، ولا تخف من الذكور أن يحرموا الإناث. ولكن إذا لم نربِّ الأولاد على ذلك، وقسمنا المال في حال الحياة تقسيماً عشوائياً، أعطينا البعض وحرمنا الآخر فإننا نزيد عقوق العاق عقوقاً، ونزيد في تمزيق الأسرة، وكلنا مسؤول يوم القيامة.

وإني جعلت هذه المقدمة قبل الإجابة عن السؤال لكثرة ما سمعت ورأيت من ازدياد العقوق بعد وفاة الآباء والأمهات، ولما سمعت ورأيت من تخاصم الإخوة والأخوات بعد وفاة آبائهم وأمهاتهم، حتى والله سمعت من البعض من يدعون على أصولهم، والبعض الآخر يقول: والله لا أسامحهم على هذا التصرف.

هل شرع الله تعالى يمزق الأسرة أم يجمعها؟ هل شرع الله يسعد أم يشقي؟ شرع الله يسعد، ومن السعادة جمع الأسرة وتماسكها، كما أن البعد عنه سبب للشقاء، ومن الشقاء تمزق الأسرة، وصدق الله القائل: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}. وصدق الله القائل: {فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، فمن اتبع لا خوف عليه مما هو قادم عليه، ولا حزن عنده على ما هو مفارقه.

والآن إلى الجواب عن السؤال:

إذا كان هذا البيع بيعاً حقيقياً لا صورياً فلا إشكال فيه، وإن كان بيعاً صورياً وهمياً بدون دفع الثمن فهو هبة وليس بيعاً، فإذا كان هبة ولم يتملك الموهوبُ له الهبةَ فالهبة باطلة بعد وفاة مورثهم، وتصبح الهبة من جملة الإرث الذي يوزع توزيعاً شرعياً بين الورثة.

أما إذا تم قبض الهبة من الأولاد في حال حياة الواهب فإنه يُنظر:

إذا كانت الهبة لبعض الأبناء لسبب معين، كأن يكون الموهوب له والمميز عن إخوته في العطية مريضاً مرضاً مزمناً أو به عاهة دائمة، أو عجز وما شاكل ذلك، فلا حرج في هذه العطية إن شاء الله تعالى.

أما إذا كانت الهبة أو العطية بدون سبب فإنه يجب في هذه الحالة التسوية بين الأبناء والبنات جميعاً، والمقصود بالتسوية للذكر مثل حظ الأنثى، وذلك لما جاء في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهِبَةِ من ماله لابنها، فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟) قال: نعم فقال: (أكلهم وهبت له مثل هذا؟) قال: لا قال: (فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جَوْر) رواه مسلم. وفي رواية للبخاري: (لا تشهدني على جَوْر). وفي رواية أحمد: (إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم). وفي رواية للبيهقي وابن حبان: (أشهد على هذا غيري، اعدلوا بين أولادكم في النِّحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف) .

وبناء على ذلك من المقدمة للجواب والحديث الشريف:

1- إذا كان البيع حقيقياً فلا إشكال فيه البتة.

2- إذا كان البيع صورياً فهو هبة، فإن كان لسبب مشروع فلا حرج فيه كذلك إن شاء الله تعالى.

3- أما إذا كان هبة بغير سبب مشروع، فإنه يجب على من أخذ أن يبرئ ذمة مورثة بإعادة المال إلى التركة، ومن ثَمَّ يوزع توزيعاً شرعياً، لأن الأب في هذه الحالة يكون آثماً، والبار بوالديه يكون حريصاً على تخليص أبوه من الإثم، ولا يجوز للولد أن يكون عوناً لوالديه على ارتكاب الإثم.

فإذا أخذ الولد في حال حياة الأبوين دون إخوته فعليه أن يرد هذا المال للتركة براً بوالديه، وحرصاً منه على صلة الرحم، ورعاية حقوق الأخوة، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.

هذا في الأولاد.

أما في حق الزوجة، فإذا كانت تعلم بأن تخصيصها بشيء من المال في حال حياة الزوج بقصد الإضرار بالورثة فهي كذلك آثمة مع زوجها، وعليها أن ترد هذا المال للتركة، وإلا فلا.

وإذا كانت لها ضرة فخصها دون ضرتها فالحكم كما ذكرنا في شأن الأولاد. هذا، والله تعالى أعلم.