35ـ كلمة شهر محرَّم 1431هـ: أتريد راحةَ البال واستقرارَ الحال؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمع مطلع العام الهجري الجديد نقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أيها الإخوة الكرام: في زمن كثر فيه الخوف والحزن من المستقبل فإني أقول في مطلع هذا العام الهجري الجديد: أتريد راحة البال واستقرار الحال؟

فإذا كان الجواب: نعم، فأقول: تعال يا أخي إلى ساحة التوكل على الله تعالى التي حُرِمها كثير من الناس، وما ذاك إلا لضعف الإيمان.

فالتوكُّل على الله تعالى هو مركبُ السائرين إلى الله تعالى، ولا يتأتَّى السير إلا به، ومتى انقطع عنه السائر انقطع لوقته، وهو من لوازم الإيمان ومقتضياته، قال تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}. كما أنه دليل على صحة الإسلام، قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِين}.

وكلما قوي الإيمان في قلب العبد كان توكُّله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكُّل، وإذا كان التوكُّل ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان.

التوكل والعبادة:

أيها الإخوة: لقد جمع الله تعالى بين التوكُّل والعبادة في سبعة مواطن من القرآن العظيم:

أولاً: في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين}.

ثانياً: في قوله تعالى حكاية عن سيدنا شعيب: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}.

ثالثاً: في قوله تعالى حكاية عن أوليائه وأحبابه: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}.

رابعاً: في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}.

خامساً: في قوله تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون}.

سادساً: في قوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير}.

سابعاً: في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب}.

الغاية هي التوكل، وأشرف الوسائل للوصول إليها هي العبادة، فنسأل الله تعالى أن يوفِّقنا للعبادة الموصلة إلى حقيقة التوكل، التي فيها سرُّ سعادتنا وراحةُ بالنا واستقرارُ حالنا.

ثمرات التوكل:

أيها الإخوة: ثمرات التوكل على الله تعالى لا تعدُّ ولا تُحصى، وها أنا أذكر أهمَّ ثمرات التوكل على الله تعالى:

أولاً: هو دليل على صحة الإيمان، قال تعالى:{وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}.

ثانياً: هو دليل على صحة الإسلام، قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِين}.

ثالثاً: هو دليل على الهداية، قال تعالى حكاية عن قول الرسل لقومهم: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}.

رابعاً: هو سرُّ النصر والفرج، قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون}.

خامساً: هو رفيق المُعرِض عن أعدائه، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}.

سادساً: هو أنيس مَنْ أَعْرَضَ عنه الناسُ، قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم}.

سابعاً: هو مُسْتَنَدٌ لأهل القرآن الكريم، قال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون}.

ثامناً: هو الأنيس في القضاء المُرِّ، قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}.

تاسعاً: هو السلاح للمؤمن إذا نُصبت له حبالُ المكرِ، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُون}.

عاشراً: هو الوقاية من شرِّ شياطين الإنس والجن، قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون}.

الحادي عشر: هو سببٌ لنيل محبة الله تعالى لعبده، قال تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}.

الثاني عشر: هو سبب أن يكون الله لك، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

الثالث عشر: هو سبب الهداية والكفاية والوقاية من شر شياطين الإنس والجن، أخرج أبو داود في سننه عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ).

الرابع عشر: هو سبب للحفظ من شرِّ الدجال، روى الإمام أحمد عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رَأْسَ الدَّجَّالِ مِنْ وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي افْتُتِنَ، وَمَنْ قَالَ: كَذَبْتَ، رَبِّي اللهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، فَلا يَضُرُّهُ، أَوْ قَالَ: فَلا فِتْنَةَ عَلَيْهِ). ومعنى حُبُكٌ حُبُكٌ: شعر رأسه متكسِّر من الجعودة.

الخامس عشر: هو سبب للرزق، روى الترمذي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة: ولقد رأينا هذه الثمرات كلَّها مجسَّدة في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ظاهرة جلية واضحة وخاصة في هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ثم في يوم صلح الحديبية.

فمن أراد راحةَ البال واستقرارَ الحال فعليه بالتوكُّل، نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن التوكُّل عليه، وأن يجنبنا التواكل. آمين. آمين. آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **