18ـ من وصايا الصالحين: عاتب نفسك بهذه الكلمات

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد كان العارف بالله تعالى عون بن عبد الله الهذلي رضي الله عنه يقول معاتباً نفسه وهو يبكي:

ويح نفسي، بأيِّ شيء لم أعص ربي؟ وَيْحِي إنما عصيته بنعمته عندي، وَيْحِي من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبِعتها عندي، ويحي كيف أنسى الموت ولا ينساني؟

وَيْحِي إن حُجبت يوم القيامة عن ربي، وَيْحِي كيف أغفل ولا يغفل عني؟ أم كيف تهنئني معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟ أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يُفعل بي؟ أم كيف يشتدُّ حبي لدارٍ ليست بداري، أم كيف أجمع بها وفي غيرها قراري؟ أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل فيها يكفيني؟ أم كيف أوثرها وقد أضرَّت بمن آثرها قبلي؟ أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يُغلق باب توبتي؟ أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني؟ أم كيف لا يكثر بكائي ولا أدري ما يراد بي؟ أم كيف تقرُّ عيني مع ذِكْرِ ما سلف مني؟ أم كيف تطيب نفسي مع ذكر ما هو أمامي؟

وَيْحِي هل ضرَّت غفلتي أحداً سواي؟ أم هل يعمل لي غيري إن ضيَّعت حظي؟

وَيْحِي كأنه قد تصرَّم ـ تقطَّع ـ أجلي ثم أعاد ربي خلقي كما بدأني، ثم وقفني وسألني، ثم أشهدت الأمر الذي أذهلني، وشُغلت بنفسي من غيري، وسارت الجبال وليس لها مثل خطيئتي، وجُمع الشمس والقمر وليس عليهما مثل حسابي، وانكدرت النجوم وليست تُطلب بما عندي، وحُشرت الوحوش ولم تعمل مثل عملي، وشاب الوليد وهو أقلُّ ذنباً مني.

ويحي ما أشدَّ حالي وأعظم خطري، فاغفر لي، واجعل طاعتك همتي، ولا تُعرض عني يوم تعرض، ولا تفضحني بسرائري، ولا تخذلني بكثرة فضائحي، بأيِّ عين أنظر إليك وقد علمتَ سرائري؟ وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني ونطقت جوارحي بكلِّ الذي كان مني، إلهي أنا الذي إذا ذكرت ذنوبي لم تقرَّ عيني، أنا تائب إليك فاقبل ذلك مني، ولا تجعلني لنار جهنم وقوداً بعد توحيدي وإيماني. آمين آمين آمين.

إخوتي الكرام لنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ولنعاتب أنفسنا قبل أن نعاتب، ولنستحضر الآخرة في دنيانا قبل خروجنا منها، والله ما أفلح من أفلح إلا بمراقبة نفسه وتزكيتها، كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.

اللهم وفِّقنا لمجاهدة أنفسنا، ولمعاتبتها بصدق في الحياة الدنيا، وعاملنا بفضلك لا بعدلك يا أرحم الراحمين. آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **