51ـ كلمة شهر جمادى الأولى1432هـ: يا من يريد الإصلاح الحقيقي

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 

فإنا نرى اليوم الكلَّ ينادي بالإصلاح، والكلُّ يَعِدُ بالإصلاح، والحقيقة لا صلاح ولا إصلاح إلا من خلال المنهج الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وقد بيَّن الله تبارك وتعالى سبيل الإصلاح لمن صدق في طلبه، فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.

الإصلاح مرتبط بصدق طالبه، فمن صدق في طلبه فليتق الله، وليقل قولاً سديداً، وإلا فأي صلاح لمن لم يتق الله تعالى؟ وأي صلاح لمن لم يقل القول السديد؟

أيها الإخوة الكرام: كلام الله تعالى واضح لا يحتاج إلى تأويل ولا إلى شرح طويل، تدبَّروا هذه الآيات الكريمة يا طالبي الصلاح والإصلاح:

أولاً: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}.

عباد الله: إن الربا انتشر انتشاراً لا مثيل له على جميع المستويات، وبصور لا عدَّ لها ولا حصر، والله تبارك وتعالى يقول للمرابين: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}.

أما حرب الله تعالى فلا نقول فيها إلا قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}. لذلك لا يستطيع أحد أن يحتاط لها.

أما حرب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فبمعاملة المرابين معاملة الأعداء والعياذ بالله تعالى، ومن وقع في حرب مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأيُّ صلاح وإصلاح يرجوه؟

ثانياً: يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون}.

عباد الله، الخمر والميسر ـ القمار ـ منتشر انتشاراً لا مثيل له، وربنا عز وجل يقول ببيان واضح: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون}. فأين المنتهون عن الخمر والقمار؟ وصور القمار كثيرة.

ثالثاً: يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}. إذا لم يستغلَّ العبد نعمة الله تعالى التي أسبغها عليه بالطاعة فإنه يعرِّض نفسه ويعرِّض أمته للدمار، إذا لم نأخذ على يده، وهذا مثل قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون}.

وإن انتشار الفسق ـ وهو الخروج عن حدود طاعة الله تعالى ـ اليوم لا مثيل له، فقلَّ الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، بل ربما رأى البعض المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والأسوأ حالاً من هذا وهذا من أمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وربُّنا عزَّ وجل قال في حقِّ بني إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون}.

رابعاً: يقول الله تبارك وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. وإن مخالفة أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صار عند البعض جهاراً نهاراً وبدون استحياء.

حذَّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الدخول على النساء بقوله: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. والاختلاط بين الرجال والنساء قائم على قدم وساق إلا من رحم الله تعالى، وبدون استحياء، وبسببه كَثُرت الفواحش.

حذَّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من ردِّ صاحب الدين والخلق إذا خطب إلينا، فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وردُّ صاحب الدين والخلق وخاصةً إذا كان فقيراً حدِّث عنه بلا حرج.

أيها الإخوة الكرام: مشكلتنا مشكلة واحدة ألا وهي الإعراض عن الله تعالى، وما نحن فيه من الابتلاء فالجوابُ عنه من القرآن الكريم قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}. وقال تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}.

إنَّ صلاحنا وإصلاحنا لا يكون إلا من خلال الالتزام بهذا الدين الذي قال فيه مولانا عز وجل: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.  وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}.

اللهم رُدَّنا إليك ردَّاً جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**   **   **