52ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1432هـ: ترويع المسلم ظلم عظيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن أعظم نعم الله تعالى على العبد نعمة الأمن، وقد منَّ الله عزَّ وجل على الناس بذلك، وطالبهم بالعبادة، فقال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْش * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}.

وقد منَّ الله عزَّ وجل على أهل مكة بأن جعل لهم حرماً آمناً، فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، أمنهم من الغارات أو من النهب أو من القتل أو السلب، أو أيِّ أمر يعكِّر صفو أمنهم.

وقد رتَّب الله تعالى جزاءً على الإيمان والعمل الصالح نعمة الأمن، فقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}.

وحذَّر من الكفر بالنعمة، ورتَّب على الكفر بها جزاء الخوف والجوع، فقال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون}.

تحريم الإسلام ترويع المؤمن وإخافته:

لما كان الأمن ضرورياً للإنسان، جاء الإسلام ليحرِّم على الناس أن يروِّعوا بعضهم بعضاً، إنْ على سبيل الجِدِّ أو المزاح:

1ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: لا إِلا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا).

2ـ روى الطبراني في الكبير عن عَمْرِو بن يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي حَسَنِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا عَقَبِيًّا، قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ وَنَسِيَ نَعْلَيْهِ، فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ فَوَضَعَهُمَا تَحْتَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: نَعْلِي، فَقَالَ: الْقَوْمُ مَا رَأَيْنَاهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ ذِهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا صَنَعْتُهُ لاعِبًا، فَقَالَ: (كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ ـ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا).

3ـ وروي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيَّبها وهو يمزح، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تروِّعوا المسلم، فإن روعة المسلم ظلم عظيم) رواه البزار والطبراني كما في الترغيب والترهيب.

4ـ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه الطبراني.

5ـ وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة) رواه الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب.

6ـ وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: (لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ).

وأخيراً: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا) رواه أبو داود.

يا عباد الله:

إذا كان ترويع الحيوان رفضه الإسلام وحرَّمه، فكيف بترويع المؤمنين والمؤمنات؟ فكيف بترويع النساء والأطفال؟ فكيف بترويع الشيوخ؟ فكيف بترويع المرضى؟!

يا عباد الله: لا تروِّعوا بعضكم بعضاً، لا تفجعوا الآباء والأمَّهات بأبنائهم، هذا هدي حبيبكم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والله الخيرُ كلُّ الخير في التزام هديه وشرعه، حكِّموا شرعَ الله تعالى فيكم جميعاً بدون استثناء، لا تحكِّموا الأهواء والعواطف، واسمعوا قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) أخرجه الحسن بن سفيان وصحَّحه النووي في الأربعين النووية.

واحذروا مخالفة أمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذ يقول: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا).

أيها الآباء! لا تروِّعوا أبناءكم إذ يفقدونكم.

أيها الأزواج! لا تروِّعوا زوجاتكم إذ يفقدونكم.

أيها الإخوة! لا تروِّعوا أخواتكم إذ يفقدونكم.

واتقوا الله في أنفسكم وفي غيركم.

أسأل الله تعالى أن يحفظ العباد والبلاد من كلِّ الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجمع شملها على الكتاب والسنة. آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **