23ـ آداب الصائم: الأدب الخامس: (تعجيل الفطور)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن آداب الصائم تعجيل الفطور متى تحقَّق غروب الشمس، وذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ). يعني أمر هذه الأمة ما زال متلبِّساً بالخير ما دامت تتعجل بالفطر، لأنه دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليحصل الحضور في الصلاة بفراغ القلب من الاشتغال بالطعام.

ولما روى أبو يعلى وابن خزيمة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ صَلَّى صَلاَةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ).

النيَّات تجعل العادات عبادات:

قد يقول أحدنا: نحن الذين نعجِّل في الفطور، ونتمنى أن يتعجل المؤذن حتى نعجل في الفطور، ولكن لو سألتَ هذا القائل: لماذا تحبُّ تعجيل الفطور؟ لأتى الجواب: لشدة العطش أو لشدة الجوع.

شتَّان ما بين من عجل بالفطور لجوع أو عطش، وبين من عجَّل بالفطور إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، الفارق بينهما هو نيَّة كل واحد منهما.

الكلُّ يأكل، والكلُّ يشرب، لكن هناك من يأكل ويشرب امتثالاً لأمر الله تعالى حيث يقول: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} أو للطبيعة البشرية، فواحد يأتي يوم القيامة من خلال طعامه وشرابه بطاعة، والآخر يأتي صفر اليدين من خلال طعامه وشرابه، لأنه أكل مادة وطبيعة بشرية.

وقس على ذلك سائر الحوائج الجسدية من نكاح ونوم وراحة، فبالنية تجعل جميع عاداتك عبادات لله عز وجل، لذلك قالوا: النيات تجعل العادات عبادات.

فإذا ما عجَّلت بالفطر فانوِ امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإحياء لسنته، وأنت تمتثل قول الله تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.

متى يفطر الصائم؟

والسؤال: متى يفطر الصائم؟ الجواب: يفطر الصائم إذا غابت الشمس من مغربها، وطلع الليل من المشرق، وذلك لما روى البخاري ومسلم عنْ عُمر بنِ الخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ، قالَ: قال رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هاهُنَا وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هاهُنا، وغَرَبتِ الشَّمسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصائمُ).

ويروي كذلك البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْسُ قَالَ: يَا فُلانُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ).

وفي رواية أبي داود قال: (فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: يَا بِلالُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ).

الجدح: هو خلط الشيء بغيره، والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي.

الفوائد التي نستفيدها من الحديث الشريف:

نستفيد من هذا الحديث الشريف بعض الفوائد:

1ـ الصوم للمسافر أفضل من الفطر، ذلك لقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}، نعم جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) رواه البيهقي والطبراني وابن حبان. إلا الصوم فإنه مستثنى لمن كان قوياً على الصيام في السفر، وخاصة نعلم بأن الصيام هو مرة واحدة في السنة، فالجدير بالمسلم أن لا يضيِّعه في وقته حيث إن وقته متميِّز عن سائر الأوقات، ففيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفَّد الشياطين، وهو الوقت الذي نزل فيه القرآن العظيم، ولأن فيه منادياً ينادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرِّ أقصِر، ولأن الأجر على العبادات فيه مضاعف، النافلة فيه كفريضة، والفريضة فيه كسبعين فريضة فيما سواه.

لذلك فالصوم في السفر لمن لا تلحقه مشقَّة بالصوم أولى من الفطر، والله أعلم.

2ـ عرض ما يجول في نفسك أمام معلمك وأستاذك لا حرج فيه، وذلك لإبعاد ما يجول في نفسك من استفسار واستيضاح، ولذلك المخاطب في الحديث: (يَا فُلانُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا) كان يظنُّ أن آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس تمنع الصائم من الفطر، أو ظنَّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم ير الضياء والحُمرة فأراد تذكير النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والذي يؤكد هذا الظنَّ عند الصحابي قوله: (إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا).

وتكرير ذلك من المخاطب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم في الأكل مع ظنِّه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى الضوء نظراً تاماً.

3ـ أن الفِطر على تمر ليس بواجب، بل هو سنة، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شرب من مرق السَّويق عند فِطره في هذه المرة ولم يُفطر على تمر.

فوائد تعجيل الفطور:

فمن السنة تعجيل الفطور إذا تيقَّن الصائم من مغيب الشمس، ولتعجيل الفطور فوائد منها:

أولاً: فيه إحياء سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم:

روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ الإِفْطَارَ، وَأَنْ نُؤَخِّرَ السَّحُورَ، وَأَنْ نَضْرِبَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا في الصَّلاة).

وفي رواية عن مالك بن أنس رحمه الله : أنه سمع عبد الكريم بن أبي المخارق يقول: (مِنْ عَمَلِ النبوةِ: تعجيلُ الفِطرِ، والاستيناءُ بالسَّحورِ). الاستيناء: هو التأنِّي والتأخير.

وروى الإمام مسلم عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: (دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلاهُمَا لا يَأْلُو عَنْ الْخَيْرِ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ).

معنى لا يألو عن الخير: أي لا يقصِّر عن فعل الخير والسُّنَّة.

والرجلان هما: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، والمراد بالتعجيل المبالغة فيه، وبالتأخير عدم المبالغة في التأجيل، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه عمل بالعزيمة والسنة، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه عمل بالرخصة.

نعم أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة كاملة، أعطونا النماذج الرائعة التي تجعل المسلم في أريحية تامة في الالتزام بهذا الشرع الشريف، وذلك لاختلاف الأحوال والهِمم في الناس، والله تعالى أعلم.

وروى ابن حبان في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم).

ثانياً: المعجِّل بالفطور محبوب عند الله عز وجل:

روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا).

وروى الطبراني عن يَعْلِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَضَرْبُ الْيَدَيْنِ أَحَدِهِمَا بِالأُخْرَى فِي الصَّلاةِ).

ثالثاً: بتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب:

روى أبو داود وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ).

فيما يفطر عليه الصائم:

ويستحب أن يكون الفطر على رُطَبَات، فإن لم توجد فعلى تمر، فإن لم يوجد فعلى الماء، وهذا ما كان يفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في سنن أبي داود عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ).

وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لا فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ).

وفي رواية عن سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ).

ويستحب أن يكون فطره على ثلاث تمرات، لما روى أبو يعلى قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار).

ولقد ثبت طبياً: بأن الفطر على رطب أو تمر أو ماء يحقق أمرين اثنين:

1ـ دفع الجوع والعطش.

2ـ تستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة، كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك، ويعطي الإنسان شعوراً بالامتلاء، فلا يكثر الصائم من تناول مختلف أنواع الطعام.

وعلى كلِّ حال نحن نفطر على رطب أو تمرات أو ماء متأسِّين في ذلك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا يتوقَّف اتباعنا على معرفة العلة والغاية، لأن الزمن لا ينتظر أحداً، فطوبى لعبد اتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر باتِّباعه.

أما العبد الذي لا يتَّبع حتى يعرف العلة والغاية فقد ينتهي أجله ولا يعرف العلة ولا الغاية، ويكون بذلك قد فوَّت على نفسه الخير الكثير، والسعيد هو الذي يوفِّقه الله تعالى للاتباع بدون توقُّف ولا تردُّد. اللهم أكرمنا بذلك.

وأخيراً من آداب تعجيل الفطور الدعاء بعد الفطور:

فإذا أفطر الصائم فإنه يسنَّ له الدعاء بعد فطره، لما روى ابن ماجه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ).

قد يقول أحدنا: أنا أصوم منذ سنوات وأدعو الله تعالى فلم يستجب الله لدعائي، لماذا؟ الجواب: الله تعالى هو أصدق القائلين، ووعدُه لا يُخلَف، فهو القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ومستحيل وألف مستحيل أن يُخلَف وعد الله تعالى.

إذاً المشكلة فينا، هل فكَّر هذا الداعي بأيِّ لسان يدعو الله تعالى، وبأي جسد يدعوه؟ هل أخضع نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم؟ هل فكَّر الداعي بهذا الحديث ونظر إلى مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه هل هو من حلال أم من حرام؟

يدعو الواحد ورائحته فمه الكريهة بسبب الدخان، سواء كان حكمه حراماً أو مكروهاً، هل يليق هذا بالداعي؟

لماذا لا يطهِّر فمه من الرائحة الكريهة بعد تطهير جسده من الحرام ثم يدعو؟

أين سنة السواك فينا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الثوم ولا البصل لأنه يناجي ربه، وأنت عندما تدعو تناجي ربك فلماذا لا تطهِّر فمك من الرائحة الكريهة؟

إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا، اسْتَاكُوا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ) رواه أحمد والبيهقي. [القَلَح: صفرة تعلو الأسنان ووسخ يركبها]. فكيف إذا وقفت على باب مولاك لتناجيه؟

يا أيها الصائم الداعي أطب مطعمك تستجب دعوتك، كما جاء في الحديث الذي يرويه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (تُلِيَت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه و سلم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: يا سعد، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تكنْ مُستجابَ الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمةَ الحرامَ في جوفه ما يُتَقَبَّل منه عملُ أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به).

ويستحب للصائم بعد فطره أن يدعو الله تعالى بما دعا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود.

وفي رواية عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ).

أسأل الله عز وجل أن يوفِّقنا لإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يتقبَّل منا الصلاة والصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان، وأن يدخلنا الجنة من باب الريان، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **