25ـ آداب الصائم: الأدب السادس: الدعاء(2)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد عرفنا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم الدعاء، وبأن دعاءه مستجاب ما دام صائماً وعند فطره، وذلك لما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

ووقفنا عند قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}.

وقفة مع هذه الآية الكريمة:

وجدير بنا أيها الإخوة أن نقف مع هذه الآية الكريمة وقفة المتدبِّر لكلام الله عز وجل، وخاصة قد عرفنا بأنها جاءت عقب آيات الصوم، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. والله نرى فيها الرقة والعطف والإيناس وشدة القرب من حضرة مولانا عز وجل.

وعن الصلت بن الحكيم ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنهم، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت لهم) أخرجه ابن جرير وأبو حاتم.

أولاً:فيها إضافة تشريف للخلق:

قال ربنا عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}. أضافهم مولانا عز وجل إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، ما قال: (وإذا سألك العبيد)، بل قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي}. هؤلاء الذين تحقَّقوا بالعبودية لله عز وجل، فاختاروا الانقياد لأمر الله تعالى باختيارهم، فتركوا مرادهم لمراد الله، وهواهم لما جاء به الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم ، واختيارهم لاختيار الله عز وجل.

وعبوديَّتك لله عز وجل فخرٌ لك، وأما عبوديَّتك لغيره تبارك وتعالى فهل ذلٌّ واحتقار وازدراء لك، لو كان الإنسان عبداً للدينار والدرهم فهو مذموم، ولو كان عبداً لزيد أو عمرو فهو مذموم، لأن الإنسان يكره العبودية لغير الله تعالى، فمن رضي أن يكون عبداً لغير الله فقد ذلَّ نفسه وتعس وانتكس، كما جاء في الحديث الشريف: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ) رواه البخاري، فأنت لست عبداً لزوجة ولا لولد ولا لمال ولا لجاه ولا لشهرة ولا لسمعة، أنت عبد لله، وهذا هو عِزُّك وشرفك، لأن عبد الله يأكل من خير سيِّده ومولاه، وأما العبد لغير الله فالسيد هو الذي يأكل خير وجهد عبده.

من منَّا يسأل عن الله تعالى؟ من منَّا يريد أن يتعرَّف على الله تعالى؟ من شقاء العبد أن يدخل الدنيا ويخرج منها ولم يذق أطيب نعيم فيها، وأطيب نعيم فيها هو معرفةُ الله عز وجل، هل سألت عن الله تعالى؟ هل تعرَّفت عليه وعلى أسمائه وصفاته؟

الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل، سألوه لأنه العارف بالله تعالى، فعرَّفهم على الله تعالى، وعندما عرفوا الله عز وجل استقاموا على شريعة الله عز وجل، أما الجاهل بربه والعياذ بالله تعالى فيقع في المعصية دون أن يبالي، وصدق الله القائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.

إذاً يجب علينا أن نتعرَّف على الله تعالى، ومعرفته لا تكون إلا عن طريق القرآن العظيم، وعن طريق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه من الحديث الشريف، لأن هذا أمر عقَدي، والأمر العقَدي لا يكون إلا على أساس من القرآن العظيم والسنة الصحيحة حصراً.

والذي عرف الله تعالى هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل هو الذي علَّمه، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، فنحن نتعرَّف على الله تعالى من خلال هذين المصدرين حصراً، فلا نصف ربنا عز وجل إلا بما وصف به ذاته من صفات وأفعال بدون تشبيه منا ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل، ونقول ما علَّمنا إياه ربُّنا عز وجل في القرآن العظيم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}.

ثانياً: لا واسطة بينك وبينه أثناء الدعاء:

كلُّ سؤال وُجِّه للنبي صلى الله عليه وسلم وذُكر في القرآن، جاء جوابه من الله جلَّت قدرته مصدَّراً بكلمة قل، كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}. وقولِه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}. وقولِه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. وقولِه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. وهكذا، فكلُّ سؤال كان يُصَدَّر جوابه بقول:{قُلْ}، إلا في هذه الآية الكريمة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}. جاء الجواب مباشرة عليهم منه تبارك وتعالى، فلم يقل له: فقل لهم إني قريب، حتى تعلم أنه لا واسطة بينك وبين الله تعالى في دعائك، فادع الله تعالى باللسان الذي تريد، وباللغة التي تريد، وفي الساعة التي تريد، ادع الله بلسانك، وادع الله عز وجل بحالك، ادع الله تعالى بكلِّ أريحيَّة لأنه ليس بينك وبينه حجاب، فاجعل حوائجك كلَّها على باب مولاك، فهو مولاك وأنت عبده.

ثالثاً: أقرب إليك من حبل الوريد:

يعلِّمك الله تعالى بأن ربك الذي تدعوه هو قريب منك، بل هو أقرب إليك من حبل الوريد، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد}. فإذا كان أقرب إليك من حبل الوريد فناجه بصوت خفيٍّ فإنه يسمعك ويراك.

وهذا القُرب لمصلحتك حيث أنك تناجيه في خلوتك وفي جلوتك، وفي سائر أحوالك، ومع قربه منك فهو حيٌّ قيوم لا تأخذه سِنَة ولا نوم، فناجه في سرِّك وعلانيتك، في ليلك ونهارك، في سائر أحوالك.

لا أحد يستطيع أن يحول بينك وبينه، لأنه معك أينما كنت، وهذا سيدنا يونس عليه السلام ناجاه وهو في ظلمات ثلاث، كما قال تعالى عنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين}.

وإذا كان مولاك قريباً منك وهو غنيٌّ عنك، وأنت فقير إليه، وهو يدعوك لأن تسألَه، بل يأمرك أن تسألَه، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فهل يليق بك أن تعصيه وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟

بل كيف تجترئ على معصية الله تعالى إذا كنت تعتقد أنه يراك؟ هل رأيت عبداً يخالف حاكماً إذا كان يراه؟ قطعاً لا يجترئ على مخالفته إذا كان يراه، وإذا أراد مخالفته فإنه يخالفه في خفاء عنه، وأنت إذا أردت أن تعصيه فاعصِه في مكان لا يراك فيه.

وإذا كان العبد لا يرى مولاه فإنه يجب عليه أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تعالى يراه، كما جاء في الحديث الشريف: (الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري ومسلم.

رابعاً: دعاؤك مستجاب بإذنه تعالى:

يعلِّمك مولاك بأن دعاءك مستجاب، وإياك أن تشكَّ في ذلك، فهو أكرم من أن يرد سؤالك ودعاءك، كما جاء في الحديث الشريف، عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَسْتَحِي أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ يَسْأَلُهُ فِيهما خَيْرًا فَيَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ) رواه أبو داود والترمذي.

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت ِرضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) رواه الإمام أحمد.

وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) رواه الترمذي.

فاحذر أن تشكَّ بأن الله لا يستجيب دعاء عبده، لأن الله تعالى أصدق القائلين، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، ومما قاله مولانا عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

فإن لم ترَ استجابةً فالمشكلة عندك حصراً، وهذا مؤكَّد ومحقَّق، واسمع إلى هذا الحديث الشريف الذي يرويه الإمام البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً)، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً)، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً) ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً)، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.

فإن قال العبد: ما استجاب الله لدعائي، نقول له: كذبت وصدق الله القائل: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فإنه لا يُخلِف الميعاد.

خامساً: حكم الدعاء:

ذهب الفقهاء وجماهير العلماء سَلَفاً وخَلَفاً إلى أن الدعاء مُستحبٌّ، وخاصة بالنسبة للصائم، وبالأخصِّ عند فطره، وهو عبادةٌ لله عز وجل يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، لذلك جاء في الحديث الشريف عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ) رواه أحمد. وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ) رواه الترمذي.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (من فُتِحَ له باب الدُّعاءِ، فُتِحَتْ له أبوابُ الرَّحمةِ، وما سُئِلَ اللهُ شيئاً أحبَّ إليه مِنْ أن يُسألَ العافيةَ) رواه أحمد.

وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدُّعاء يَنْفَعُ مما نَزَلَ ومما لم يَنْزِلْ، ولا يردُّ القضاءَ إلا الدُّعاءُ ، فعليكم عباد الله بالدُّعاء) أخرجه الترمذي.

وعن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض) رواه الحاكم.

والسعيد حقاً من أُلهم الدعاء، فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه).

كلمات عارف بالله عز وجل أدرك أن الله تعالى حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فنسأل الله تعالى أن يلهمنا الدعاء، وأن يكرمنا بالإجابة.

احمل همَّ الدعاء:

وكلمة سيدنا عمر رضي الله عنه كلمة رائعة، فإنه لا يحمل همَّ الإجابة، لأن الإجابة من الله تعالى، وهي مُحقَّقة، ولكنَّه يحمل همَّ الدعاء، لأن الدعاء تكليف، والتكليف يجب أن يكون موافقاً لما طلبه المكلِّف، ولأن الدعاء عبادة، والعبادة يجب أن تكون موافقة لما طلبه المعبود، فإذا كان التكليف غير موافق لما طلبه الله تعالى، وكانت العبادة غير موافقة لما طلبه المعبود، فإن العبد يكون قد أتى بالطاعة شكلاً ولم يأت بها حقيقة.

على سبيل المثال: الصلاة، الصلاةُ تكليف ولها ثمرة، وثمرتها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}، يصلي الرجل وهو يرتشي، ويصلي وهو يسرق، ويصلي وهو يكذب، ويصلي وهو ينظر إلى النساء، وتصلي المرأة وهي سافرة متبرِّجة، وتصلي وهي عاصية لأمر زوجها في غير معصية الله، هذا العبد صلى وما صلى، كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ، وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ثَلاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا).

وفي موضوعنا اليوم، نحن ندعو الله لا شك في ذلك، لأنه تكليف لنا، وثمرة الدعاء الاستجابة، وهي على الله تعالى، فنحن لا نحمل همَّ الإجابة، لأنها على الله تعالى، ولكن يجب علينا أن نحمل همَّ الدعاء، فهل ندعو الله تعالى كما أمرنا الله تعالى، وهل حقَّقْنا شروط الدعاء؟ فما هي شروط الدعاء وآدابه؟ هذا موضوع درسنا القادم إن أحيانا الله عز وجل.

أسأل الله تعالى أن يُلهِمَنا الرُّشد في كل أمورنا، وأن يرزقنا الإخلاص مع القبول، إنه خير مسؤول ومأمول. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **