26ـ آداب الصائم: الأدب السادس: الدعاء(3)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد انتهينا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم كثرة الدعاء لله عز وجل ووقفنا عند كلام سيدنا عمر رضي الله عنه: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه).

وقلنا: إنه يجب على العبد المكلَّف أن يحمل همَّ ما كُلِّف به، لا أن يحمل همَّ الجزاء على عمله، التكليف علينا، والأجر وثمرة هذا التكليف على الله تعالى، فلا تنشغل بالجزاء والثمرة، ولكن انشغل بإتقان ما كُلِّفت به.

الدعاء تكليف وعبادة:

يجب علينا أن نعلم أولاً بأن الدعاء عبادة وتكليف من الله تعالى، قال تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}.

ففي هذه الآية الكريمة إشارة لطيفة بأن الذي تولَّى تربيتنا هو ربُّنا وربُّ كل شيء، يأمرنا جميعاً بدون استثناء أحد أن ندعوَه في سائر أحوالنا، في المنشط والمكره، وفي الغنى والفقر، وفي العِزِّ والذُّل، وفي الصحة والمرض، وفي السفر والحضر، وعلى سائر الأحوال، ولم يستَثْنِ أحداً من البشر في هذا التكليف. بل وصف ربُّنا عز وجل الصَّفوةَ من البشر الذين جعلهم الله أنبياء ومرسلين بقوله: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}.

وقال تبارك وتعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين}.

وروى أبو داود والترمذي عنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}).

وروى الترمذي كذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ).

وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ).

وروى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ).

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ).

وروى الطبراني عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ).

شروط وآداب الدعاء:

وما دام الدعاء عبادةً وتكليفاً فلا بدَّ من أن نحقِّق شروطه وآدابه، فمن جملة شروط الدعاء وآدابه حتى تُعطى الإجابة:

أولاً: أن يكون رزقك من حلال:

فهذا هو الشرط الأول والأدب الأول لاستجابة الدعاء، فلا بدَّ للداعي من أن يكون مطعمه ومسكنه وملبسه وكلُّ ما معه حلالاً، لما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ).

هذا الحديث الشريف هو أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الإحكام، لأن فيه الحثَّ على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره.

وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شُبهة فيه، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره.

وفيه أن العبد قد يطيل السفر في وجوه الطاعات كحجٍّ وعُمرة وزيارة مستحبَّة وصلة رحم وهو يتغذَّى بالحرام، فمن أين يُستجاب لهذا العبد، بل وكيف يُستجاب له؟ وهذا على سبيل الاستبعاد، ولكن يجوز أن يستجيب الله له فضلاً وكرماً، وقد تكون استجابة الدعار له من باب الاستدراج والعياذ بالله تعالى.

كيف يمدُّ العبد يديه إلى الله تعالى بالدعاء، وهو مخالف لأمر الله الذي حرَّم عليه الخبائث وأكل أموال الناس بالباطل؟ بل كيف يستجيب الله تعالى لعبد لا يستجيب هو لأمر الله تعالى؟

إذا عرفنا الشرط الأول من شروط استجابة الدعاء وهو أن يكون الرزق من حلال، عرفنا معنى كلام سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه)، نحن قبل هذا كنا نحمل همَّ الإجابة، ونفكِّر هل يستجيب ربُّنا أم لا؟ وهذا من سوء الأدب مع الله تعالى القائل: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

ولكن الآن عرفنا أن الهمَّ يجب أن يكون في الدعاء، فهل نستطيع أن نحقِّق الشرط الأول من شروط الدعاء أم لا؟

لو وضعنا أنفسنا الآن في هذا الميزان لرأيت كم وكم من يتساقط عند الشرط الأول، حيث تجد الكثير الذي لا يبالي بمسألة الرزق، ثم يطول لسانه بعد الدعاء فيقول: لماذا لا يستجيب الله الدعاء؟

هل يفكِّر أحدُنا في مسألة رزقه أن يكون من حلال مشروع لا شُبهة فيه؟ هل يبتعد الواحد منا عن الشبهات حتى لا يقع في الحرام، لأن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، كما جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) رواه البخاري ومسلم.

أين الذي يتَّقي الشبهات إذا كان حريصاً على أداء هذه العبادة العظيمة ألا وهي عبادة الدعاء؟

الواقع المشاهد هو انتشار أكل الحرام بدون مبالاة والعياذ بالله تعالى، ولو أردنا أن نعدِّد صور أكل الحرام الصِّرْف الذي وقع فيه الكثير من الناس لضاق الوقت، هذا فضلاً عن الشُّبُهات، ومن صور أكل الحرام الصِّرْف:

أولاً: الرِّبا وبصور متعدِّدة:

أ ـ القروض الربوية الواضحة وضوحاً تاماً في أنها كبيرة من الكبائر، وإن دائرة الربا تتوسَّع بين الأغنياء قبل الفقراء، وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

ب ـ القروض التي تكون للمزارعين وأصحاب الحليب، وذلك ليقوم المزارع والجبَّان (المستدين) بإنزال مزروعاته ومشتقات الحليب عند الدائن ليبيعها ويأخذ الأجر عليها، والقاعدة الفقهية تقول: (كلُّ قرض جرَّ نفعاً فهو رباً)، وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

ج ـ قاعدة: (ضع وتعجَّل) التي انتشرت انتشاراً واسعاً بين التُّجار في الديون المؤجَّلة، حيث يقول أحدهما للآخر: أضع عنك وتعجَّل في الدَّفع قبل حلول الأجل، أو يقول أحدهما للآخر: كم تضع عني لأتعجَّل في الدفع؟ وهذا باتِّفاق الأئمة الأربعة من أصحاب المذاهب المتَّبعة هو الربا بعينه، وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

ثانياً: المُقامرة وبصور متعدِّدة:

وما أكثر المقامرة والميسر التي هي من عمل الشيطان، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}، وصور المقامرة كثيرة جداً منها:

أ ـ عن طريق الهاتف المحمول تأتيك رسالة وتقول لك: اتصل على رقم كذا أو أرسل رسالة فارغة واربح ليرة ذهبية، أليس هذا هو الميسر والمقامرة بحدِّ ذاته؟ وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

ب ـ عن طريق القسائم التي تكون مع سلعة من السلع، يأخذ المشتري سلعة (ما) ومعها قسيمة ليقام بالسحب عليها، حيث تضرب القرعة بين المشترين لأخذ الجائزة، وهذه القسيمة هي جزء من المبيع، لذلك كانت من الميسر، وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

ثالثاً: السرقة من الأموال العامة:

وما أكثر صور السرقة من الأموال العامة بحجة أن الدولة ظالمة، وأنها تأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق الضرائب، فإذا بالبعض يسرق الكهرباء، والبعض الآخر يسرق الماء، والبعض الآخر يسرق الهاتف، والبعض الآخر يسرق من الخزينة العامة، وهكذا... ونسي هؤلاء السارقون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا: قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ) رواه البخاري. يسرقون الأموال العامة ويريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

أما عن أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الرشوة، والاختلاس، وشهادة الزور، والأيمان الكاذبة، فحدِّث بدون حرج، وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء، (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟

فسيِّدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه) كان مُحِقّاً في ذلك، لأن الدعاء عبادة، والعبادة يجب أن تكون موافقة للكتاب والسنة بشروطها المذكورة فيهما.

مَثَل رائع من سيدنا عمر رضي الله عنه:

لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه المثل الرائع في تحرِّي لقمة الحلال، لا في حقِّ نفسه فحسب، بل في حقِّ ذرِّيَّته ورعيَّته، روى الإمام مالك في الموطأ وغيره عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَمَّا قَفَلا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا، فَقَالا: وَدِدْنَا ذَلِكَ، فَفَعَلَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ.

فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا، فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ: أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالا: لا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا، أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ.

فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا، لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ، فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ، وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ.

كُل ما شِئت فمثله تعمل:

لذلك علماؤنا جزاهم الله تعالى خير الجزاء جعلوا لنا قاعدة فقالوا فيها: (كُلْ ما شئت فمثلَه تعمل)، فمن أكل حلالاً وُفِّق للطاعة، ومن أكل الحرام سيقَ للمعصية، وصدق الله القائل: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.

وقد يقول أحدُنا: فلان وفلان يأكل الحرام ويفعل الطاعات، فهو صائم مصلٍّ حاجٌّ معتمر قارئ للقرآن إلى آخر الطاعات، فهو لم يُصرَف عن الطاعات!

نعم قد يفعل آكل الحرام الطاعات، ولكن جميع طاعاته مضروبة في وجهه ولا تكون مقبولة، لأن جسد نبت من سُحت، وكلُّ جسم نبت من سحت فالنار أولى به، فأمثال هؤلاء يقومون بالطاعات رياء وسُمعة والله تعالى أعلم، حتى إذا جاؤوا بهذه الطاعات جعلها الله تعالى يوم القيامة هباءً منثوراً.

هؤلاء الذين غذَّوا أجسادهم بالحرام لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً بسبب الحرام، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

تعالوا أيها الإخوة لنعاهد الله تعالى على أن نأكل طيباً ونشرب طيباً ونلبس طيباً ونتغذى طيباً، رجاء أن يقبل الله دعاءنا، اللهم وفِّقنا لذلك يا أرحم الراحمين. ومع تتمة شروط وآداب الدعاء في الدرس القادم إن أحيانا الله عز وجل. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **