20ــ العهد السادس: فوائد تبليغ الحديث الشريف(2)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في العهد السادس:

(ومنها ـ أي من فوائد تبليغ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ وهو أعظمها فائدة: الفوزُ بدعائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لمن بلَّغ كلامه إلى أُمَّته، في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) رواه الإمام أحمد عن مطعم بن جبير رضي الله عنه) اهـ.

أقول أيها الإخوة الكرام:

يجب علينا أن نقف أمام هذا الحديث الشريف وقفةَ تدبُّر وتأمُّل، لعل الله عز وجل ينفعنا بذلك:

دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مقبول لا شكَّ في ذلك، لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العظيم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

لا شكَّ بأنَّ وعد الله تعالى لا يُخْلف، وإن كان للدعاء شروط حتى يكون مستجاباً، فلا شك بأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم محقِّقٌ تلك الشروط، وأهمُّ شروط استجابة الدعاء:

أولاً: الاستجابة لأمر الله تعالى: لأن الله تعالى قال: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي}. واستجابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا مثيل لها بين العباد، وقد نطق بهذا الحقِّ أُمُّنا السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن أخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالت: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) رواه الإمام أحمد.

ثانياً: تَحَرِّي الحلال الطيب في الطعام والشراب واللِّباس وسائر الأمور: روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}. فقام سعد بن أبي وقاص، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا سعد أطبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبَّل منه عملُ أربعين يوماً، وأيُّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والرِّبا فالنار أولى به).

وروى الإمام مسلم عَنْ أبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنْهُ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (أيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّه طيِّبٌ لا يقْبلُ إلاَّ طيِّباً، وَإنَّ اللَّه أمَر المُؤمِنِينَ بِمَا أمَر بِهِ المُرْسلِينَ، فَقَال تَعَالى: {يَا أيُّها الرُّسْلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعملوا صَالحاً} وَقَال تَعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا كُلُوا مِنَ طَيِّبَات مَا رزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَر أشْعَثَ أغْبر، يمُدُّ يدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا ربِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُه حرَامٌ، ومَلْبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بِالْحَرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ).

ومما لا شكَّ فيه بأنَّ سيدَنا رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما دخل جوفَهُ الحرامُ، وما لبس الحرام، وما سكن الحرام، حاشاه من ذلك، بل هذا ما دخل إلى جوف أهل بيته، روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ).

أيها الإخوة الكرام: انظروا إلى حرص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على أهل بيته وأبنائه، حيث كان يراقبهم على الصغيرة والكبيرة، فلم يرضَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم للحسن أن يأكل تمرة واحدة من تمر الصدقة، مع صغر سنِّه.

فهل نحن نراقب أبناءنا ونتابعهم بحيث يعلم كلُّ واحد منا طعامَ وشرابَ أبنائه من حلال أم حرام؟ لأن مسؤوليتهم في أعناقنا سوف نسأل عنها يوم القيامة.

ثالثاً: حضور القلب مع الله تعالى، وتدبُّر الكلمات التي يدعو بها، وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ومما لا شكَّ فيه بأنَّ قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما كان يغفل لحظة واحدة، بل هو حاضر القلب مع الله في نومه، للحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: (كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: كَانَتْ صَلاتُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ رَمَضَانَ وَاحِدَةً، كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَقَلْبِي لا يَنَامُ).

أيها الإخوة الكرام: أين الحريص على أن يفوز بدعوة خير البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ أين الذي يطمع بأن يُنَضِّر الله تعالى وجهه؟

ومعنى نَضَّرَ الله: أي كسى الله وجهه بالنضرة والحسنِ والبهاءِ، وبذلك يصبح ظاهره حسناً بلزوم الاتباع لهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وباطنه حسناً بالالتذاذ بحلاوة الطاعة، والأُنس بالله تعالى.

وكان سفيان بن عيينة يقول: ما من أحد يطلب حديثاً إلا وفي وجههِ نَضْرة.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

فيا من يعتقد اعتقاداً جازماً بأنَّ دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مستجاب، وكان حريصاً على أن ينال هذا الدعاء، بأن يكون وجهه ناضراً يوم القيامة، فعليك بتبليغ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإذا نالتك دعوة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كنت من الناظرين إلى ربك عز وجل يوم القيامة، لأنَّ أصحاب الوجوه الناضرة ستكون إلى ربها ناظرة إن شاء الله تعالى، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الناظرين إلى وجهه الكريم. آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

**     **     **