32ـ وصية من وصايا سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (إنكم لم تخلقوا عبثاً)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جاء في حلية الأولياء، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة، وكانت آخر خطبة خطبها، حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

إنكم لم تُخلقوا عَبَثاً، ولمْ تُتْرَكوا سُدًى، وإنَّ لكم مَعاداً ينزلُ اللهُ فيه ليحكمَ بينكم ويفصلَ بينكم، وخابَ وخسرَ مَنْ خرجَ من رحمةِ الله، وحُرِمَ جنةً عرضُها السمواتُ والأرض.

ألم تعلموا أنَّه لا يأمنَ غداً إلا من حذرَ اللهَ اليومَ وخافَهُ، وباع نافداً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان؟

ألا ترون أنَّكم في أسلابِ الهالكينَ، وستصيرُ مِنْ بعدِكم للباقينَ، وكذلكَ حتى تُرَدُّوا إلى خيرِ الوارثين.

ثمَّ إنَّكم تشيِّعون كلَّ يوم غادياً ورائحاً، قد قضى نحبَه، وانقضى أجلُه، حتى تغيِّبوه في صَدْعٍ من الأرض، في شقِّ صَدْعٍ، ثم تتركوه غيرَ مُمَهَّدٍ ولا مُوَسَّد، فارقَ الأحبابَ، وباشرَ الترابَ، ووُجِّهَ للحسابِ، مُرْتَهَنٌ بما عملَ، غنيٌّ عما تركَ، فقيرٌ إلى ما قدَّم. فاتقوا اللهَ وموافاتَه وحلولَ الموتِ بكم.

أما والله إني لأقول هذا، والله تعالى أعلم. وما أعلمُ عندَ أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، وأستغفرُ اللهَ، وما منكم من أحدٍ يبلِّغُنا حاجَته لا يسعُ له ما عندنا، إلاَّ تمنَّيْتُ أنْ يبدأَ بي وبخاصَّتي، حتى يكون عيشُنا وعيشُهُ واحداً.

أما واللهِ لو أردتُ غيرَ هذا من غضارةِ العيشِ لكانَ اللسانُ به ذَلولاً، وكنتُ بأسبابِهِ عالماً، ولكنْ سَبَقَ منَ اللهِ كتابٌ ناطقٌ، وسُنَّةٌ عادلةٌ، دلَّ فيها على طاعتِهِ، ونهى فيها عن معصيتِهِ.

ثم رفعَ طرف ردائه فبكى، وأبكى من حوله. ثم نزل، فما عاد بعدها إلى المنبر حتى مات رحمه الله تعالى.

أيها الإخوة: طوبى لمن وعاها، وعمل بها. اللهمَّ وفِّقنا لذلك. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **      **

تاريخ المقال

الاثنين: 1 / صفر / 1433هـ الموافق 26 / كانون الأول / 2011م