47ـ مشكلات وحلول: متى يحق للمرأة أن تطلب الطلاق؟

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

سؤال: متى يحق للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالأصل أنَّه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سببٌ يُبَرِّرُ ذلك، لأنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) رواه الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه. ومعنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ) أي من غير شِدَّةٍ تُلجِئُها إلى سؤال المفارقة.

ولكنَّ الإسلام دينُ العدلِ والإنصاف، فقد تُبْتَلى امرأةٌ برجلٍ لا تستطيع الحياة معه، فهل يُجبرها الإسلام على الاستمرارية في هذه الحياة الزوجية القاسية؟ قطعاً الإسلام أعظم من ذلك بكثير، لأنَّه حرَّم الظلم، يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  فيما يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تباركَ وتعالى أنه قال: (يا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلاَ تَظالمُوا) رواه الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والإسلام جاء ليرفع الظلم عن العباد.

يقول مولانا تبارك وتعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}.

فإذا كانت حدود الله تُقام فالبيت قائم، فإذا تجاوز أحد الزوجين أو الزوجان حدود الله تعالى، وأصرَّ المتجاوز على موقفه، فهنا يكون الطلاق هو الحل الأمثل.

ومن الأسباب التي يحقُّ للمرأة فيها أن تطلب الطلاق:

أولاً: كراهية الزوجة لزوجها خَلْقَاً بحيث لا تُطيق العيش معه، ولو كان صالحاً في دينه، روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).

ثانياً: إذا كان الزوج غير ملتزم بدين الله تعالى، وتخشى على نفسها الضرر في دينها، لأنَّ الزوج الفاسق الذي لا يلتزم حدود الله تعالى، وقد لا يقتصر على فسقه، بل يأمر به ـ والعياذ بالله تعالى ـ، فقد يأمر زوجته بالتبرُّج والاختلاط مع الرجال الأجانب، أو بفعل بعض المخالفات الشرعية، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ثالثاً: إذا كان الزوج شحيحاً ومقصِّراً في حقوق الزوجة من حيث النفقة بالمعروف عليها وعلى أولادها، لأنَّه يرتكب إثماً كبيراً في هذا البخل والشح، ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

رابعاً: أن لا يؤمِّن لها السكن الشرعي المناسب، لأنَّ حقَّ السكن واجبٌ على الزوج، وعلى أن يكون السكن مستقلاً عن أقاربها وأقاربه مع وجود المَرَافِق له، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}.

خامساً: الهجر لها من غير سبب موجب، لأنَّه من الظلم الشديد لها.

سادساً: إذا كان الرجل مريضاً مرضاً عضوياً لا يستطيع أن يقوم بواجبه نحوَ زوجته.

سابعاً: أن يترك الزوجُ وطءَ الزوجة مدةً تتضرَّرُ بها، ويعرِّضها للفساد.

ثامناً: إهانةُ الزوج لزوجته بالضرب المبرِّح، والشتم، والسبِّ، واللَّعن، والكلمات المهينة الجارحة لشعور المرأة.

تاسعاً: أن يكون الزوج متجاوزاً حدود الله تعالى، ومضيِّعاً للفرائض، ومرتكباً للموبقات، لأنَّه لا يُؤمَن جانبه في مثل هذه الأحوال.

عاشراً: إذا كان الزوج لا يعدل في المبيت عند التعدُّد.

وبناء على ذلك:

فمن حقِّ المرأة أن تطلب الطلاق لسببٍ شرعيٍ مقبول، ولكن قبل أن تطلب المرأة الطلاق عليها أن تفكِّر فيما يلي:

أولاً: هل لها بيتٌ تعود إليه؟

ثانياً: هل يوجد من ينفق عليها؟

ثالثاً: هل تستطيع أن تربي أولادها التربية الصالحة، وتعوِّضُهم النقصَ الذي يفوتهم بفقد أبيهم؟

رابعاً: أن تعلم أنَّ البيوت تُبنى على المروءة وحسن العشرة، لا على المحبة، وأنَّ الهفوات لا يخلو منها بيتٌ من البيوت على الإطلاق.

خامساً: أن تعلم حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (كلُّ بني آدم خطّاء، وخير الخطَّائين التوابون) رواه الحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه. فزوجها ليس بمعصوم.

سادساً: هل قدَّمَتْ النُّصح لزوجها؟ هل صَبَرَتْ عليه؟

سابعاً: أن لا تُقدِم على مثل هذا الأمر إلا بعد استشارة أهل العلم والتُّقى ثمَّ الاستخارة. هذا، والله تعالى أعلم.

**      **      **

تاريخ المقال:

الإثنين: 17/محرم/1433 هـ الموافق: 12/كانون الثاني/2011م