33ـ من وصايا الصالحين: وصيَّةُ الخليفةِ للأميرِ

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ورد أن سيدنا أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه مَرِضَ، واشتدَّ عليهِ وثقُلَ المَرَض، فجمعَ عَدَداً من الصَّحابةِ المعروفين الذين كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُشاورهم في الأمرِ، وقال لهم: إنَّه قد نَزَلَ بي ما قَدْ تَرَونَ، ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلقَ اللهُ أيمانَكم مِن بيعتي، وحلَّ عنكم عُقدتي، وردَّ عليكم أَمْرَكم، فأمِّروا عليكم مَنْ أحببتُم، فإنَّكم إنْ أمَّرتم في حياةٍ مِنِّي، كانَ أجدرَ ألا تختلفُوا بعدي.

وتمَّ استخلاف الفاروقِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه، وتوجَّه الصدِّيق بالدعاء قائلاً: اللهُمَّ إنِّي لم أُرِدْ بذلك إلا صلاحَهم، وخِفْتُ عليهم الفتنةَ، فَعَمِلْتُ فيهم ما أنتَ أعلمُ به، واجتهدتُ لهم رأيي، فَوَلَّيْتُ عليهم خيرَهم وأقواهم عليه، وأحرَصَهُم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، فاخلفني فيهم، فهم عبادُك ونواصيهم بيدك، فأصلحْ لهم أميرَهم، واجعلْهُ مِنْ خلفائِكَ الرَّاشدينَ، يتبع هدى نبيِّ الرحمةِ، وهدى الصالحين بعده، وأَصلِحْ له رعيتَهُ.

ثم اختلى الصِّدِّيقُ بالفاروقِ وأوصاه بمجموعة من التوصيات لإخلاء ذمَّته من أيِّ شيءٍ، حتى يمضي إلى ربه خالياً من أيِّ تبعة بعد أن بذل قصارى جهده واجتهاده.

وقد جاء في الوصية:

اتَّقِ الله يا عمر، واعلم أنَّ للهِ عز وجل عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنَّه لا يقبل نافلةً حتى تؤدَّى الفريضة.

وإنَّما ثَقُلَت موازينُ من ثَقُلَت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الحقَّ في الدنيا، وثِقَلِهِ عليهم، وحُقَّ لميزانٍ يوضع فيه الحقُّ غداً أن يكون ثقيلاً.

وإنما خَفَّت موازينُ مَن خَفَّت موازينه يوم القيامة، باتِّباعهم الباطل في الدنيا وخِفَّتِهِ عليهم ، وحُقَّ لميزانٍ يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً.

وإنَّ الله تعالى ذَكَرَ أهلَ الجنة ، فذكَّرهم بأحسنِ أعمالهم ، وتجاوزَ عن سيئاتهم ، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن لا ألحق بهم.

وإنَّ الله تعالى ذَكَرَ أهلَ النار، فذكَّرهم بأسوأ أعمالهم، وردَّ عليهم أحسنَها، فإذا ذكرتهم قلت: إنَّي لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء، ليكونَ العبدُ راغباً راهباً، لا يتمنَّى على الله، ولا يَقْنَطُ من رحمته عز وجل.

فإن أنتَ حفظت وصيتي، فلا يكن غائبٌ أحبَّ إليكَ من الموت ـ وهو آتيك ـ، وإن أنت ضيَّعت وصيتي فلا يكن غائبٌ أبغضَ إليك من الموت، ولستَ بِمُعْجِزِهِ.

يا عباد الله: أبرؤوا ذمَّتكم قبل موتكم، وتذكَّروا قول الله تعالى: {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين}.

يا ربِّ احقن دماء المسلمين، واستُر أعراضهم، وأمِّن روعاتهم. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة بظهر الغيب

**     **     **