62ـ كلمة شهر ربيع الثاني1433هـ: أيُّها الإنسان هل عرفت الإنسان؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعندما ابتعد الإنسان عن دين الله عز وجل، جهل حقيقة هذا الإنسان، مما أدى إلى الاستهانة به.

الإنسان هو صنعة الله تعالى الذي كرَّمه على سائر المخلوقات، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

ومن صور تكريم الله تعالى للإنسان:

أولاً: خلقه الله تعالى في أحسن صورة، قال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}، وجعل قامته معتدلة، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}. وهداه ربُّنا عزَّ وجل إلى العلم الذي يمكنه للوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة، وجعل في فطرته محبة لذلك، مصداق ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَن * عَلَّمَ الْقُرْآن * خَلَقَ الإِنسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَان}، وقوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن} طريقا الخير والشر.

ثانياً: وقبل أن يخلقه الله تعالى خلق له، وهيأ له النعم العظيمة التي لا تعدُّ ولا تحصى، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}، ومن هذه النعم:

1ـ سخَّر له ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون}، وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.

2ـ سخَّر له الماء، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ}، وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ}.

3ـ سخَّر له الفلك والرياح والسحاب، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون}.

ثالثاً: حمَّله الله تعالى الأمانةَ بدون جبر وإكراه، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}.

رابعاً: ومن أجلِّ وأعظم مظاهر التكريم للإنسان أن أرسل إليه الرسل لهدايته ولدعوته لما فيه حياته الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}.

خامساً: ومن أجلِّ مظاهر التكريم للإنسان معيَّة الله تعالى له، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فهو قريب من الإنسان، وهو معه، قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}، وقال تعالى: {وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل}.

أيها الإخوة الكرام:

من عرف الإنسان من خلال القرآن العظيم فإنه يعظِّم هذا الإنسان، لأنَّ تعظيم الصنعة هو تعظيم لصانعها، وأما من جهل الإنسان فإنه لا يأبه به، وقد يجترئ على هدم بنيان الله بالقتل، ولا شكَّ في أنَّ الصانع يغار على صنعته، لذلك توعَّد خالق الإنسان من قتل إنساناً بغير حقٍّ بقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

أسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين، وأن يستر أعراضهم، وأن يؤمِّن روعاتهم، ويصرف عنهم كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وأن يجمع كلمتهم على الحقِّ والهدى. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

تاريخ الكلمة:

يوم الخميس 1 / ربيع الثاني / 1433هـ، الموافق 23 / شباط / 2012م