35ـ من وصايا الصالحين: وصيَّةٌ إلى القضاة

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإلى كلِّ قاضٍ يريد سلامة دينه ودنياه وآخرته، ويريد أن يكون من أهل الجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ؛ فَأَمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَجَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

فيا أيها القاضي الكريم! اسمع وصيَّة سيدنا عمر رضي الله عنه لسيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه القاضي في دولة سيدنا عمر رضي الله عنه.

 ، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس [هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه]، سلام عليك، أما بعد:

فإنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحْكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فافهم إذا أُدليَ إليك، فإنه لا ينفعُ تَكَلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له.

آسِ [أي سوِّ] بين الناسِ في وجهكَ وعَدْلِكَ ومجلسكَ، حتى لا يطمعَ شريفٌ في حَيْفِكَ [أي ظلمك]، ولا ييئسَ ضعيفٌ من عَدْلِكَ.

البيِّنةُ على منِ ادّعى، واليمينُ على منْ أنكرَ.

والصلحُ جائزٌ بينَ المسلمينَ إلا صلحاً أحلَّ حراماً، أو حرَّمَ حلالاً.

لا يمنعْك قضاءٌ قضيتَهُ بالأمسِ، فراجعتَ فيه عَقْلَكَ، وهُدِيتَ فيه لرشدك، أنْ ترجعَ إلى الحقِّ، فإنَّ الحقَّ قديمٌ، ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التّمادي في الباطل.

الفهمَ الفهمَ فيما تَلَجْلَجَ في صدرِكَ مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعْرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، فَقِسِ الأمورَ عندَ ذلكَ، واعْمدْ إلى أقربِها إلى اللهِ، وأشْبَهِها بالحقِّ.

واجعلْ لمن ادَّعى حقاً غائباً أو بيِّنة أمداً ينتهي إليه، فإنْ أحضرَ بيِّنته أخذتَ له بحقِّهِ، وإلا استحْلَلْتَ [أي سألته أن يحلَّه له] عليه القضيّةَ، فإنَّه أنفى للشكِّ، وأجْلى للعَمَى.

المسلمونَ عُدُولٌ [العدل هو المستقيم في أمره] بعضهم على بعض، إلا مجلوداً في حَدِّ، أو مُجرَّباً عليه شهادةُ زُورٍ، أو ظِنِّيناً في ولاءٍ أو نَسَبٍ، فإنَّ اللهَ تولَّى منكم السَّرائرَ، ودرأ [أي دفع] بالبينات والأيمان.

وإيَّاكَ والغَلَقَ [أي ضيق الصدر وقلة الصبر] والضَّجَرَ والتأذيَ للخُصومِ، والتَّنَكُّرَ عند الخصوماتِ، فإنَّ القضاءَ في مواطنِ الحقِّ يُعْظِمُ اللهُ به الأجرَ، ويُحْسِنُ به الذُّخْرَ، فمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وأقبلَ على نفسه، كفاهُ اللهُ ما بينه وبين الناسِ، ومَنْ تخلَّقَ للناسِ بما يعلمُ اللهُ أنَّه ليسَ من نفسِهِ، شَانَهُ اللهُ، فما ظَنُّكَ بثوابِ اللهِ عزَّ وجلَّ في عاجلِ رزقِهِ وخزائِنِ رحمتِهِ، والسلام.

أيها الإخوة:

هذه الرسالة من سيدنا عمر إلى سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، لا تحتاج إلى تعليق، وهي وصية لكلِّ قاضٍ، وقد تكون أيها القارئ أنتَ القاضيَ بين متخاصمين.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا على بيِّنة من أمرنا. آمين.

أخوكم أحمد النعسان يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

تاريخ الوصية:

يوم الخميس: 1 / ربيع الثاني / 1433هـ، الموافق: 23 / شباط / 2012م