66ـ كلمة شهر شعبان1433هـ: راقبِ الله عزَّ وجلَّ

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالسَّعيدُ من راقبَ اللهَ عزَّ وجلَّ في أقوالِهِ، وأفعالِهِ، وأحوالِهِ، وتقريرِهِ، السَّعيدُ من أخضَعَ نفسَهُ تحتَ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. وتحتَ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. وتحتَ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ .

ويقولُ ابنُ المباركِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى لِرَجُلٍ: رَاقِبِ اللهَ تعالى، فَسَأَلَهُ عن تفسيرِها، فقال: كُن أبداً كَأَنَّكَ ترى اللهَ عزَّ وجلَّ. اهـ.

ويقولُ سفيانُ الثَّوريُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: عليكَ بالمراقبةِ مِمَّن لا تَخفى عليه خافيةٌ، وعليكَ بالرَّجاءِ مِمَّن يِملِكُ الوفاءَ.اهـ.

ويقولُ ابنُ عثمانَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قالَ لي أبو حَفصٍ: إذا جَلستَ لِلنَّاسِ فَكُنْ واعظاً لِنَفسِكَ وقلبِكَ، ولا يَغُرَّنَّكَ اجتِماعُهُم عليكَ، فَإِنَّهم يُراقِبُونَ ظاهِرَكَ، واللهُ رقيبٌ على باطِنِكَ. اهـ.

وسُئِلَ ذو النّوُنِ: بِمَ ينالُ العبدُ الجنَّةَ؟

فقال: بِخَمسٍ:

1ـ استقامةٌ ليسَ فيها رَوَغانٌ.

2ـ واجتهادٌ ليسَ معهُ سَهْوٌ.

3ـ ومراقبةُ اللهِ تعالى في السِّرِّ والعلانِيَةِ.

4ـ وانتظارُ الموتِ بالتَّأهُّبِ لهُ.

5ـ ومُحاسبةُ نفسِكَ قبل أن تُحاسَبَ. اهـ.

أيُّها الإخوة الكرام:

ما الذي مَنَعَ سيِّدَنا يوسفَ عليه السَّلامُ من الاقتِرابِ من امرأةِ العزيزِ؟ إنَّها مُراقَبَتُهُ للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى مُخبراً عن قولِ سيِّدِنا يوسفَ عليه السَّلامُ: ﴿مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون﴾.

وما الذي مَنَعَ ابنَ آدمَ من قتلِ أخيهِ؟ إنَّها مُراقَبَتُهُ للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى مُخبراً عنهُ: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِين﴾.

وما الذي مَنَعَ الرَّاعيَ من بيعِ الشَّاةِ؟ إنَّها مُراقَبَتُهُ للهِ عزَّ وجلَّ، قال عبدُ اللهِ بنُ دينارَ: خرجتُ معَ عمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى مكَّةَ، فَعَرَّسنَا في بعضِ الطَّريقِ، فانحدَرَ عليه راعٍ من الجبلِ، فقال له: يا راعي، بِعنِي شاةً من هذهِ الغنمِ.

فقال: إنِّي مملوكٌ.

فقال: قُل لِسيِّدِكَ: أَكَلَها الذِّئبُ.

قال: فأينَ اللهُ؟

قال: فَبَكى عمرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، ثمَّ غَدَا إلى المملوكِ فاشتراهُ من مولاهُ، وأعتَقَهُ، وقال: أَعتَقَتْكَ في الدُّنيا هذهِ الكلمةُ، وأرجو أن تُعتِقَكَ في الآخرةِ. اهـ.

أيُّها الإخوة الكرام:

أينَ من يَخضَعُ لِمُراقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ إذا قالَ قولاً، أو فَعَلَ فعلاً، أو قرَّرَ تقريراً؟ هل نسينا قولَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُم * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾؟

ورَحِمَ اللهُ الحسنَ الذي قال: رَحِمَ الله عبداً وَقَفَ عندَ هَمِّهِ، فإن كانَ للهِ مَضَى، وإن كانَ لغيرِهِ تَأَخَّرَ. اهـ.

ورَحِمَ اللهُ من قال:

إذا ما خلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تَقُل *** خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ

ولا تَحســـبنَّ اللهَ يَغفَلُ ســـاعةً    *** ولا أنَّ ما تُخفيهِ عنهُ يَـــــغيبُ

ألم تَـــــــرَ أنَّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ *** وأنَّ غداً للنَّاظــــرينَ قريبُ

أسألُ اللهَ تعالى أن يُوفِّقنا لِمُراقبتِهِ، وأن نقولَ بلسانٍ ناطقٍ وقلبٍ حاضرٍ: اللهُ شاهدي، اللهُ ناظري، اللهُ معي، وذلك قبلَ الكلمةِ التي نتفوَّهُ بها، وقبلَ الفعلِ الذي نأتيهِ، وقبلَ القرارِ الذي نأخُذُهُ. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دَعوةً صالحةً

**    **     **

تاريخ المقال:

يوم الأربعاء 1 / شعبان / 1433هـ ، الموافق: 20 / حزيران / 2012م