28ـ أخلاق وآداب: حتى يكون الصيام مقبولاً

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فممَّا لا شكَّ فيه بأنَّ الصَّومَ من أَجَلِّ وأَقدَسِ العِباداتِ، وأنَّهُ لا يَعلمُ أجرَ الصَّائمِ إلا اللهُ تعالى، كما جاء في الحديثِ الشريفِ الصحيحِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِيرُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ النَّارِ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)».

والصَّومُ يَتَميَّزُ عن سائرِ العباداتِ بخاصِّيَّةِ النِّسبةِ إلى اللهِ تعالى، كما جاء في الحديث القدسيِّ الصحيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».

وأمَّا بالنِّسبةِ للصَّائمِ فله فرحتانِ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

وبالصَّومِ يُقهرُ عدوُّ اللهِ تعالى من شياطينِ الإنسِ والجِنِّ، ويُصبحُ الصَّائمُ طاهرَ القلبِ، ويكادُ أن ينظرَ إلى عرشِ الرَّحمنِ بقلبِهِ، وهذا لا غرابةَ فيه، فهذا واحدٌ من أصحابِ سيِّدِنا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: (وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزاً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا) رواه الطبراني في الكبير.

فالصَّائمُ يُضيِّقُ على الشَّيطانِ حتى لا يجعلَ عليه سبيلاً، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ فَوْقَ فَإِذَا أَنَا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نَظَرْتُ أَسْفَلَ مِنِّي فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَنْ لَا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوا الْعَجَائِبَ».

حتى يكونَ الصِّيامُ مقبولاً:

أيُّها الإخوة الكرام: إن كانَ الصَّومُ بهذهِ المنزلةِ، فإنَّهُ جديرٌ بالإنسانِ المسلمِ أن يكونَ حريصاً على هذهِ العبادةِ، وأن يُؤدِّيها حقَّ الأداءِ لِيَضمنَ نتائِجَها، فمن أرادَ أن يكونَ صِيامُهُ مقبولاً عندَ اللهِ تعالى، وأن يحصُدَ ثِمارَ هذا الصَّومِ فعليه:

أولاً: غضُّ البصرِ، قال اللهُ تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾. ويقول تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾. وأخرج الإمام الحاكم عن حذيفةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «النَّظرَةُ سَهمٌ مَسمُومٌ مِن سِهَامِ إِبليس لَعَنَهُ الله، فَمَن تَرَكَهَا خَوفاً مِنَ اللهِ آتَاهُ اللهُ عزَّ وجل إيماناً يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلبِهِ».

ثانياً: حِفظُ اللِّسَانِ عن كلِّ مُنكَرٍ، وشَغلُهُ بِذِكرِ اللهِ تعالى وتِلاوةِ القُرآنِ العَظيمِ، أخرج الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ».

وأخرج الإمام أحمد عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا، وَأَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا، وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنْ الْعَطَشِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَوْ سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ وَأُرَاهُ، قَالَ: بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّهُمَا وَاللهِ قَدْ مَاتَتَا أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا، قَالَ: «ادْعُهُمَا»، قَالَ: فَجَاءَتَا، قَالَ: فَجِيءَ بِقَدَحٍ أَوْ عُسٍّ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: «قِيئِي» فَقَاءَتْ قَيْحاً أَوْ دَماً وَصَدِيداً وَلَحْماً، حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى: «قِيئِي» فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَصَدِيدٍ وَلَحْمٍ عَبِيطٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَلَأَت الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللهُ، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا، جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَتَا تَأْكُلَانِ لُحُومَ النَّاسِ»).

وروى البيهقي وأبو نعيم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «قال الله تعالى: (مَن شَغَلَهُ ذِكرِي عَن مَسأَلَتِي أَعطَيتُهُ أَفضَلَ مَا أُعطِي السَّائِلِينَ)».

ثالثاً: كفُّ السَّمعِ عن سماعِ كلِّ مُحرَّمٍ ومكروهٍ، قال تعالى في حقِّ من غَضِبَ عليهم: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾. فَسَمَاعُ المُحرَّماتِ حرامٌ والسُّكوتُ عنها يجعلُ السَّامِعَ كالمُتكلِّمِ، قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ﴾.

وروى الطبراني عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّمِيمَةِ، وَعَنِ الاسْتِمَاعِ إِلَى النَّمِيمَةِ).

رابعاً: كفُّ جميعِ الجوارِحِ عن الآثامِ والمعاصي، لأنَّهُ لا معنى للصَّومِ عنِ الحلالِ ثمَّ الإفطارُ عن الحرامِ، فالحرامُ سُمٌّ يُهلِكُ دينَ العبدِ ـ والعياذُ باللهِ تعالى ـ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ».

أسألُ اللهَ تعالى أن يوفِّقنا لصِيامِ رمضانَ حقَّ الصِّيامِ، وأن يُكرِمَنَا بِثِمَارِهِ عاجلاً غيرَ آجِلٍ. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

تاريخ المقال:

يوم الجمعة 1 / رمضان / 1433هـ ، الموافق: 20 / تموز / 2012م