67ــ كلمة شهر رمضان1433هـ: برنامجك في شهر رمضان

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ شهرَ رمضانَ المباركَ مزرعَةٌ للإِنسانِ المُسلِمِ، يغتنِمُهُ من أوَّلِ ساعةٍ من ساعاتِهِ، يؤدي الذي عليهِ فيهِ، وينتظرُ وَعدَ اللهِ تعالى الذي لا يُخلَفُ للصَّائِمينَ، ومن وعدِ اللهِ تعالى للصَّائِمينَ:

أولاً: للصَّائِمِ فرحتانِ، فرحَةٌ عندَ فِطرِهِ، وفرحَةٌ عندَ لقاءِ ربِّهِ.

ثانياً: لا يَعلمُ أَجرَ الصَّائِمِ إلَّا اللهُ تعالى.

ثالثاً: دخولُ الجنَّةِ من بابِ الريَّانِ، وهو خاصٌّ للصائِمينَ، ومن دَخَلَهُ لا يَظمَأُ أَبَداً.

رابعاً: وِقايَةُ اللهِ تعالى للصَّائِمين مِن نَارِ جَهنَّمَ.

خامساً: الصِّيامُ شفيعٌ يومَ القِيامةِ للصَّائمينَ.

سادساً: دُعاءُ الصَّائِمِ مُستَجابٌ.

ويكفي الصَّائِمَ قولُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». رواه  الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

برنامجك في شهر رمضان:

أيُّها الإخوة الكرام: شهرُ رمضانَ المُبارك غنيمةُ المُسلِمِ، حيثُ يسمعُ النِّداءَ في شَهرِ رمضانَ: «يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ». والسَّعيدُ من سَمِعَ النِّداءَ واستَجابَ لهُ، والسَّعيدُ من جَعَلَ لِنفسِهِ برنامجاَ في شهرِ رمضانَ، من أعمالِ المُسلِمِ في شهرِ رمضانَ:

أولاً: التَّوبةُ الصَّادقةُ النَّصوحُ، ويقولُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله تعالى: التَّوبَةُ هيَ حَقِيقَةُ دينِ الإِسلَامِ، والدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّوبَةِ، وَبِهَذا استَحَقَّ التَّائِبُ أَن يَكُونَ حَبِيبَ اللهِ، فإنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وإِنَّمَا يُحِبُّ اللهُ مَن فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وتَرَكَ مَا نُهِيَ عَنهُ، فإِذاً التَّوبَةُ هيَ الرُّجوعُ عَمَّا يَكرَهُهُ اللهُ ظاهراً وباطناً إلى ما يُحِبُّهُ ظاهراً وباطناً، ويَدخُلُ في مُسمَّاهَا الإِسلام، والإِيمان، والإِحسان، وتتناولُ جميعَ المَقَامَاتِ، ولهذا كانت غايةَ كلِّ مؤمنٍ، وبدايةَ الأمرِ وخَاتِمَتَهُ وهي الغايةُ التي وُجِدَ لأَجلِهَا الخَلقُ، والأمرُ والتَّوحِيدُ جُزءٌ مِنها، بَل هُوَ جُزؤُها الأَعظَمُ الذي عليهِ بِناؤُها.

وأكثرُ النَّاسِ لا يعرفونَ قَدرَ التَّوبَةِ وَلا حَقِيقَتَها، فَضلاً عنِ القِيامِ بها علماً وعملاً وحالاً، ولم يَجعَلِ اللهُ تعالى مَحَبَّتَهُ للتَّوَّابِينَ إلَّا وهُم خواصُّ الخَلقِ لَديهِ، ولولا أنَّ التَّوبَةَ اسمٌ جامعٌ لِشَرائِعِ الإِسلامِ وحَقَائِقِ الإيمانِ لم يَكُنِ الرَّبُّ تعالى يَفرَحُ بِتَوبَةِ عَبدِهِ ذلكَ الفَرَحَ العَظِيمَ، فَجَميعُ ما يَتَكَلَّمُ فيهِ النَّاسُ مِنَ المَقَامَاتِ والأَحوَالِ هُوَ تَفاصِيلُهَا وآثَارُهَا

ثانياً: الصَّبرُ بعدَ الصَّبرِ على الطَّاعاتِ، والصَّبرِ عن المعاصي، على الابتلاءاتِ، لأنَّ الابتلاءاتِ لأهلِ الصَّلاحِ تحملُ في طَيَّاتِها خيراً عظيماً، عَرَفَ هذا من عَرَفَ، وجَهِلَ هذا من جَهِلَ، ولا أدلَّ على ذلك من قولِ اللهِ تعالى في قِصَّةِ الإفكِ المفترى على أمِّنا السَّيِّدةِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرَّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُم﴾.

ثالثاً: الحرصُ على أداءِ العِباداتِ التي تُؤتي ثمارها، فمن ثَمَرَةِ الصَّلاةِ أنَّها تنهى عن الفحشاءِ والمُنكرِ، ومن ثَمَرَةِ الصِّيامِ التَّقوى، ومن ثَمَرَةِ تِلاوةِ القُرآنِ زيادةُ الإيمانِ، ومن ثَمَرَةِ ذِكرِ اللهِ تعالى اطمِئنانُ القلبِ.

فالعِباداتُ التي تُؤدى بدونِ ثِمارهَا، هي أداءٌ شكلاً، وربُّنا عزَّ وجل لا يُريدُ هذا منَّا، بل يُريدُ أن تكونَ العِبادةُ ظاهراً وباطناً.

رابعاً: أن تجعَلَ أُسوتكَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاقرأ سيرةَ سيدنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ واجعلها نِبراساً لكَ، فأكثِر من النَّوافِلِ، وخاصَّةً صلاةَ التَّراويحِ، وأكثِر من القِيامِ وخاصَّةً عندَ التَّهَجُّدِ، وأكثِر من تلاوةِ القرآنِ العظيمِ، وتَوِّج هذِهِ العِباداتِ بالإخلاصِ للهِ تعالى، وكن حريصاً على الإِصلاحِ، وتذكَّر قولَ الله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. أسألُ اللهَ تعالى أن يُكرمَنا بذلك. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

تاريخ المقال:

يوم الجمعة 1 / رمضان / 1433هـ ، الموافق: 20 / تموز/ 2012م