27ـ كلمات في كناسبات: السرقة كبيرة من الكبائر في ديننا (1)

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من أشدِّ أنواعِ الظُّلمِ أن يَظلِمَ المرءُ الإسلامَ الذي قالَ فيهِ مولانا عزَّ وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾. وإنَّ اتِّهامَ الإسلامِ في الحقيقةِ اعتراضٌ على اللهِ تعالى.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: عندما انتشرت السَّرِقَةُ في هذهِ الظُّروفِ العصيبةِ التي كَثُرَ الهرجُ فيها والمَرجُ، وضاعَ الأمنُ والأمانُ، نَسَبَ بعضُ القومِ هذهِ السَّرِقَةَ من الأموالِ العامَّةِ والأموالِ الخاصَّةِ إلى الإسلامِ، وقال: هذهِ هي تربيَةُ الإسلامِ للمُسلمينَ.

كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِباً، السَّرِقَةُ من الأموالِ العامَّةِ والخاصَّةِ ليست من تَربيةِ الإسلامِ، بل من تربيةِ الشَّرقِ والغربِ الذي لا يُؤمِنُ إلا بالمادَّةِ، تربيةُ مَن رَفَضَ الإسلامَ، تربيةُ مَن عَطَّلَ الحُدُودَ، تربيةُ مَن نَظَرَ إلى الإسلامِ أنَّهُ دِينُ تَخلُّفٍ ورَجعيَّةٍ.

وبالمُقابِلِ أقولُ لِرُوَّادِ المَساجِدِ، للمُصلِّينَ، للحُجَّاجِ، لمَن ظَهَرت عليهِ علاماتُ الالتزامِ: اتَّقوا اللهَ تعالى في الإسلامِ، ولا تجعلوا سُلوكَكُم سبَباً للطَّعنِ في الإسلامِ، اللهَ اللهَ في الإسلامِ أن يُؤتَى من قِبَلِ أحَدِكُم.

هذه تَربيَةُ الإسلامِ لأتباعِهِ الصَّادِقينَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: تعالوا لِنَنظُرَ إلى الإسلامِ كيفَ ربَّى أتباعَهُ الصَّادِقينَ، وخاصَّةً فيما يَتَعَلَّقُ بالمالِ إن كانَ عامَّاً أو خاصَّاً، تعالوا واسمعوا بعضَ أحاديثِ سيِّدنا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  الذي َمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى:

أولاً: روى الحاكم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا عَمَلٌ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، لا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَلْقَى فِي رُوعِيَ أَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنِ اسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رزْقَهُ، فَلا يَطْلُبْهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لا يُنَالُ فَضْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ» حذَّرَ أتباعَهُ من أكلِ المالِ عن طريقٍ غيرِ مشروعٍ إن تأخَّرَ عنهُ، وعَرَّفَهُ أنَّ رِزقَهُ سيصِلُ إليهِ على ضعفِهِ.

ثانياً: روى البزَّار عن حُذيفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا إِلَيَّ» فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا، فَقَالَ: «هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ».

ثالثاً: روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: (مَنْ اشْتَرَى ثَوْباً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَل اللهُ لَهُ صَلَاةً مَادَامَ عَلَيْهِ).

رابعاً: روى أبو داوود عن الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اكْتَسَبَ مَالا مِنْ مَأْثَمٍ، فَوَصَلَ بِهِ رَحِماً، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، جُمِعَ ذَلِكَ جَمْعاً، فَقُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ».

خامساً: روى الطبراني عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: بَايَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، فَإِمَّا سَأَلُوهُ عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ وَإِمَّا قَالَ لَهُمْ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَسْرِقُوا، فَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ شَيْئاً مِنْ هَذَا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَالْحَدُّ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فَحِسَابُهُ عَلَى رَبِّهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ مِنْهُنَّ شَيْئاً ضَمِنْتُ لَهُ الْجَنَّةَ».

هل يسمعُ السَّارِقُ ويَتَذكَّرُ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الدِّينُ النَّصيحةُ، فمِن مُنطَلَقِ النُّصحِ، ومِن مُنطَلَقِ الرَّحمَةِ بِعِبادِ اللهِ تعالى، أُذَكِّرُ كلَّ مَن تُسَوِّلُ لهُ نفسُهُ الأمَّارَةُ بالسُّوءِ السَّرِقَةَ من الأموالِ الخاصَّةِ أو من الأموالِ العامَّةِ، أو بأيِّ صورَةٍ من صُوَرِ أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ بعضَ أحاديثِ سيِّدِنَا رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فهل يَسمَعُ ويَتَذّكَّرُ؟

أولاً: قبل أن أُذكِّرَهُ بِبَعضِ الأحاديثِ الشَّريفةِ ليسمَعْ قولَ اللهِ تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾. فهل يُرضِيكَ أن تُقطَعَ يَدُكَ لو طُبِّقتِ الحُدودُ؟

ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بِهَا الَّذِينَ سَرَقَتْهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ سَرَقَتْنَا، قَالَ قَوْمُهَا: فَنَحْنُ نَفْدِيهَا ـ يَعْنِي أَهْلَهَا ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْطَعُوا يَدَهَا»، فَقَالُوا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ: «اقْطَعُوا يَدَهَا» قَالَ: فَقُطِعَتْ يَدُهَا الْيُمْنَى، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ» فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾.

ما أَجمَلَ تطبيقَ هذهِ الحدودِ لمن كانَ حريصاً على طهارةِ المُجتمَعِ منَ السَّرِقَةِ، ما أجمَلَهَا لو طُبِّقت على الأقوياءِ قبلَ الضُّعفاءِ؟

ثالثاً: روى الإمام البخاري عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ).

رابعاً: هل يعلمُ السَّارِقُ ويذكُرُ أنَّهُ أرخَصَ يَدَهُ للسَّرِقَةِ فهانت فقُطِعَت؟ وقد قال المَعري:

يدٌ بخمسٍ مِئين عَسْجَدٍ وُدِيَتْ    ***    ما بَالُهَا قُطِعَتْ في رُبْعِ دِينَارٍ؟

فأجابه القاضي عبد الوهَّاب المالكي:

لمَّا كَانَت أَمينَةً كَانَت ثَمِينَةً، فَلَمَّا خَانَت هَانَت.

وردَّ عليه بعضُهم بقولِهِ:

عِزُّ الأمانةِ أَغْلاَهَا وأَرْخَصَهَا    ***    ذِلُّ الخُيَانَةِ، فافهم حِكْمَةَ الباري

اليَدُ عندما تكونُ أمينَةً تكونُ ثمينَةً، وإن قُطِعَت ظُلماً فَدِيَتها نِصفُ دِيَةِ الرَّجل، أما عندما تكونُ خائنةً فتُصبِحُ رَخيصَةً فتُقطَعُ في ربعِ دِينارٍ.

خامساً: يُعرِّضُ السَّارِقُ إيمانَهُ للضَّياعِ لا قدَّرَ اللهُ تعالى، أخرج الإمام البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

سادساً: دعاءُ السَّارِقِ مَردودٌ إلا إن تابَ إلى اللهِ تعالى وعَمِلَ صالِحاً وأعادَ الحقوقَ لأصحابِها، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾. وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

سابعاً: ليَتَذكَّرِ السَّارِقُ بأنَّ دعاءَ المَسروقِ لن يضيعَ سُدى، لأنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ أقسَمَ بقولِهِ لدعوةِ المَظلومِ: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. فلا يغترَّ السَّارِقُ بالنِّعَمِ التي يَتَقلَّبُ فيها إن كان يعتَبِرُ الحرامَ نِعَمَاً، وعليهِ أن يعلَمَ أنَّها نِقَماً، وربُّنا عزَّ وجلَّ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، ودعوةُ المَظلومِ تُرفعُ فوقَ الغَمامِ، كما جاء في الحديثِ الشريف الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

ثامناً: نارُ جَهنَّمَ تنتظِرُ السَّارِقَ إن ماتَ من غيرِ توبَةٍ، لأنَّ حقوقَ اللهِ مبنيَّةٌ على المُسامَحَةِ، أمَّا حقوقُ العِبادِ فمَبنيَّةٌ على المشاحَّةِ، روى الإمام البيهقي عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: « كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ». وروى الإمام مسلم عن جابِرِ بنِ عبد اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: « مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ».

تاسِعاً: هل يعلمُ السَّارِقُ أنَّ الشَّهيدَ لا يدخُلُ الجنَّةَ إذا كانت ذِمَّتُهُ مشغولةٌ بالدَّينِ؟ فكيف إذا شُغِلَت بالسَّرِقةِ وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطِلِ؟

روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهُ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ».

عاشراً: كيفَ يُرضِي السَّارِقُ المسروقينَ يومَ القِيامَةِ؟ ليَسمَعْ من تُسوِّلُ لهُ نفسُهُ السَّرِقةَ ما رواه الإمام مسلم عن أَبي هريرة رضي اللهُ عنه، أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ؟» قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ».

خاتمة نسألُ الله تعالى حسنها:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: اِصبِروا على الطَّاعَةِ واصبِروا عن المَعصِيَةِ، اِصبِروا عن لُقمَةِ الحَرامِ، واحذروا الانزلاقَ إذا انزلَقَ النَّاسُ، وأقبِلوا على الحلالِ، وتذكَّروا بأنَّ الموتَ آتٍ لا مَحالَةَ، أسألُ اللهَ تعالى أن لا نكونَ من النَّادمين.

يا عِبادَ الله، هذهِ هي تربيةُ الإسلامِ للأمَّةِ، والإسلامُ ما ربَّى أتباعهُ على الحرامِ، كما اتَّهَمَهُ البعضُ، فالإسلامُ بريءٌ من أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطلِ.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 27/ربيع الأول /1434هـ، الموافق: 7/شباط / 2013م