4ـ مع الحبيب المصطفى: يا قوم: اعرفوا قدر نبيكم

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

4ـ يا قوم: اعرفوا قدر نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

اللَّهُمَّ اشرَح بالصَّلاةِ والسَّلامِ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صُدورَنا، ويسِّر بها أُمورَنا، وفرِّج بها هُمومَنا، واكشِف بها غُمومَنا، واغفِر بها ذُنوبَنا، واقضِ بها دُيونَنا، وأصلِح بها أحوالَنا، وبلِّغ بها آمالَنا، وتَقَبَّل بها توبَتَنا، واغسِل بها حَوبتَنا، وانصُر بها حُجَّتنا، وطَهِّر بها ألسِنَتنا، وأدِم بَرَكاتِها علينا حتَّى نلقى نبيَّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ونحنُ آمنينَ مُطمئنِّينَ، فَرِحينَ مُستبشرينَ، ولا تُفرِّق بيننا وبينَهُ حتَّى تُدخِلَنا مَدخَلَهُ، وتأوِيَنا إلى جِوارِهِ، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمتَ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً. أما بعد فيا عباد الله:

لو تأمَّلَ المنصِفُ في سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وتعرَّفَ على جميلِ أثَرِهِ، وحَميدِ سِيرَتِهِ، وبَراعةِ عِلمِهِ، ورَجاحةِ عقلِهِ وحِلمِهِ، وجُملةِ كمالِهِ، وجميعِ خِصالِهِ، وشاهِدِ حالِهِ، وصَوابِ مَقالِهِ، لم يمترِ ـ لم يَشُكَّ ـ في صِحَّةِ وصِدقِ نُبُوَّتِهِ، وصِدقِ دَعوتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وهذا ما دَفَعَ أمَّنا السَّيِّدةَ خديجةَ الكُبرى رَضِيَ اللهُ عَنها للإيمانِ به بدونِ تردُّدٍ، ودَفَعَ سيِّدَنا أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ للإيمانِ به بدونِ تردُّدٍ، وغيرَهُما من الصَّحابةِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، ومن جملتِهِم سيِّدُنا عبدُ الله بنُ سلام رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

وجاء في كتاب الشفا بتعريف حُقوقِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّ الجُلَندى ملكَ عمَّانَ ـ أو غسَّانَ ـ  لمَّا بَلَغَهُ أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يدعوهُ إلى الإسلامِ، قَالَ الْجُلَنْدَى : واللهِ لَقَدْ دَلَّنِي عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إلا كَانَ أَوَّلَ آخِذٍ به، ولا يَنهَى عن شيءٍ إلا كَانَ أَوَّلَ تَارِكٍ لَهُ، وَأَنَّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ، وَيُغْلَبُ فَلَا يَضْجَرُ، ويَفِي بِالْعَهْدِ، وَيُنْجِزُ  ـ يُعجِّلُ ـ الْمَوْعُودَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

جميعُ المخلوقاتِ تعلمُ أنَّهُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: جميعُ المخلوقاتِ عُلوِيُّها وسُفلِيُّها تعلمُ أنَّهُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكُلُّها تشهدُ له بالرِّسالةِ.

روى الإمام أحمد والدارامي والبزار والبيهقي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ، إِذَا فِيهِ جَمَلٌ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعاً مِشْفَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَاتُوا خِطَاماً» فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ الله، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ».

شهادةُ الشَّجرَةِ بِنُبُوَّتِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ما من شيءٍ في الوُجودِ إلا وهوَ مُسبِّحٌ بِحَمدِ ربِّهِ، وما من شيءٍ في الوُجودِ إلا ويشهدُ لله تعالى بالوَحدانِيَّةِ، وما من شيءٍ في الوُجودِ إلا ويشهدُ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالرِّسالةِ.

جاء في كتاب الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى عن عبدِ الله بنِ بريدة رَضِيَ اللهُ عَنهُ، سألَ أعرابيٌّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آيةً، فقال له: «قُل لتلكَ الشَّجَرَةِ: رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدعُوكِ» قال: فمالت الشَّجَرَةُ عن يَمينِها وشِمالِها وبين يَدَيها وخَلفها، فَتَقَطَّعَت عُروقُها ثمَّ جاءت تخدُّ الأرضَ تَجُرُّ عُروقَها مُغبَرَّةً حتَّى وَقَفَت بين يَدَي رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقالت: السَّلامُ عليكَ يا رسولَ الله، قالَ الأعرابيُّ: مُرها فلترجع إلى مَنبَتِها، فَرَجَعَت فَدَلَّت عُروقَها فاستَوَت، فقال الأعرابيُّ: اِئذن لي أسجُدُ لك، قال: «لو كُنتُ آمِرَاً أحداً أن يسجُدَ لأحَدٍ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لِزَوجِها» قال: فأذن لي أن أقَبِّلَ يَدَيكَ ورِجلَيكَ فَأَذِنَ له.

شهادَةُ الضَّبِّ بِنُبُوَّتِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ في مَحفَلٍ من أصحابِهِ، إذ جاءَ رجلٌ أعرابيٌّ قد صادَ ضَبَّاً، فقال: من هذا؟ قالوا: نَبِيُّ الله، فقال: واللَّات والعُزَّى لا آمنتُ بك أو يؤمِنُ بك هذا الضَّبُّ؟ وطَرَحَهُ بين يَدَي رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقال له: «ياضَبُّ» فأجابَهُ بِلِسانٍ مُبينٍ يسمعُهُ القومُ جميعاً: لَبَّيكَ وسَعدَيكَ يا زَينَ من وافى القيامَةَ، قال: «من تعبُدُ؟» قال: الذي في السَّماءِ عرشُهُ، وفي الأرضِ سُلطانُهُ، وفي البحرِ سَبيلُهُ، وفي الجنَّةِ رحمَتُهُ، وفي النَّارِ عذابُهُ، قال: «فمن أنا؟» قال: أنتَ رسولُ ربِّ العالمينَ، وخاتَمُ النَّبيِّينَ، قد أفلَحَ من صَدَّقَكَ، وقد خابَ من كَذَّبَكَ. رواه الطبراني والبيهقي.

الذِّئبُ يعرِفُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، قَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقاً سَاقَهُ اللهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَجَبِي! ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: «أَخْبِرْهُمْ» فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ».

خاتمةٌ نسألُ اللهَ تعالى حُسنها:

يا قومِ: اِعرِفوا نبيَّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فما من شيءٍ في عالمِ السَّماءِ والأرض إلا ويعرِفُهُ، وإذا عَرَفتُم هذا فلا يَسَعُكُم إلا طاعةُ هذا الحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يا قومِ: أطيعوا نبيَّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكُفُّوا عن مُخالفةِ أمرِهِ، إلى أينَ سَنَصِلُ؟ وإلى أينَ سَنوصِلُ هذا البلدَ؟ تذكَّروا يا قومِ قولَ الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾. كُفُّوا عن أهلِ لا إله إلا اللهُ، كُفُّوا عن القتلِ، كُفُّوا عن التَّحريشِ بينَ المسلمينَ، كُفُّوا عن تَحريضِ المؤمنينَ على قِتالِ بعضِهِمُ البعض، وتذكَّروا أنَّ الذي يُريدُ أن يُوقِعَ العَداوةَ والبَغضاءَ بينَ المؤمنينَ هوَ الشَّيطانُ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ ردَّاً جميلاً، واجعَل إيمانَنا بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً لنا لا علينا، آمين. وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 20/ربيع الأول /1434هـ، الموافق: 31/كانون الثاني / 2013م