25ـ كلمات في مناسبات: هل يسبق حلمك جهلك؟

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

من أجملِ صِفاتِ العبدِ التَّواضُعُ، ومن أقبحِ صِفاتِهِ الاستِكبارُ والاستِعلاءُ، لأنَّهُما صِفتانِ شيطانِيَّتانِ، وأوَّلُ من تلبَّسَ بِهِما إبليسُ عندما قالَ لِرَبِّنا عزَّ وجلَّ: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين﴾. ولذلكَ قالَ الصَّالِحونَ: من قالَ أنا، ذاقَ العنا، ولم يَذُق طعمَ الهَنَا، إلا إذا قالَها تحدُّثاً بِنِعمةِ الله تعالى عليه، وهوَ مُتَلَبِّسٌ بالتَّواضُعِ لِخلقِ الله تعالى.

كيفَ يتكبَّرُ العبدُ بِنِعمةٍ من نِعَمِ الله تعالى التي أسبَغَها عليه وهوَ يعلمُ أنَّها مُعَرَّضةٌ للزَّوالِ، وذلكَ لقولِهِ تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾. فكم من غنيٍّ استكبَرَ بِغناهُ فأفقَرَهُ اللهُ تعالى؟ وكم من عالمٍ استكبَرَ بِعِلمِهِ فرَدَّهُ اللهُ تعالى إلى أرذَلِ العُمُرِ؟ وكم من حاكمٍ استكبَرَ بِحُكمِهِ فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى محكوماً؟ وكم من قويٍّ استكبَرَ بِقُوَّتِهِ فرَدَّهُ اللهُ تعالى إلى ضَعفِهِ؟

التَّزكيةُ مَهمَّةُ الدُّعاةَ إلى الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: من مَهمَّاتِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تزكِيَةُ النُّفوسِ، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين﴾. وهكذا وَرَثَتُهُ من بعدِهِ، ويجبُ على كلِّ واحدٍ منَّا أن يبحثَ عن مُعلِّمٍ يُعَلِّمُهُ القرآنَ، وآخرَ يُزكِّي له نفسَهُ، وآخرَ يُعلِّمُهُ الحِكمةَ، ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بِمُزكٍّ فهذا من سعادَتِهِ، والحقيقةُ ما أفلَحَ من أفلَحَ من العِبادِ إلا بِبَرَكةِ التَّزكيَةِ.

جاءَ رجلٌ إلى سيِّدي علي الخوَّاص رَحِمَهُ اللهُ تعالى، فقالَ له: يا سَيِّدي مَن شَيخُكُم في التَّزكِيَةِ؟ فقال الشَّيخُ: يَا أَخِي وهَل يَحصِي الإنسانُ مَشايِخَهُ ؟ قال: وكَيفَ ذَلِكَ؟ قال الشَّيخُ: إذا كانَ يَرى نَفسَهُ دونَ كُلِّ جَليسٍ من نَاطِقٍ وصَامِتٍ فَلا يَستطِيعُ إحصاءَ مشايِخِهِ، فقال له: إذاً مَن تَواضَعَ هَذا التَّواضُعَ صَارَ الوُجودُ كُلَّهُ شَيخاً لَهُ يُمِدُّهُ بالخَيرِ والفَائِدَةِ، فقال الشَّيخ: نَعَم، ولكن في شُهُودِهِ التَّواضُعَ دَقِيقَةٌ يَنبَغِي التَّفطُّنُ لَهَا،فقال : ما هيَ؟ فقال الشَّيخُ: من شُرُوطِ التَّواضُعِ الغَيبَةُ عنِ التَّواضُعِ، وذلكَ لأنَّ مَن يَشهَدُ تَواضُعَهُ لابُدَّ أن يَكونَ أَثبَتَ لِنفسِهِ مَقامَاً ثُمَّ تَواضَعَ وتَنَازَلَ مِنهُ لأخيهِ، وكَفَى بذلكَ كبراً.

يقول الإمامُ أبنُ عطاءِ اللهِ السَكَندري رحمهُ اللهُ تعالى: مَن أَثبَتَ لِنَفسِهِ تَواضُعاً فهوَ المُتَكَبِّرُ حَقَّاً إذ لَيسَ التَّواضُعُ إلَّا عَن رِفعَةٍ فَمَتَى أَثبَتَّ لِنَفسِكَ تواضعاً فأَنتَ المُتَكَبِّرُ حَقَّاً.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ضاعَ العُمُرُ وانقضى باطلاً بالقيلِ والقالِ، وكَثرةِ السُّؤالِ، وإضاعةِ المالِ، وغَفَلَ أكثرُ النَّاسِ عن تزكيَةِ نُفوسِهِم حتَّى صارت نُفوساً فِرعَونِيَّةً، الجَهلُ يسبِقُ الحِلْمَ إنْ وُجِدَ، والكلُّ يقولُ: أنا، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى، وإذا كانَ كلُّ واحدٍ يقول: أنا، فمن الطَّبيعيِّ أن يوجدَ الاقتِتالُ، والتَّنافُسُ، والتَّحاسُدُ، والتَّدابُرُ، والتَّباغُضُ.

وما واقِعُنا المَريرُ إلا بسببِ الأنا الفِرعَونِيَّةِ حتَّى صارَ الجهلُ، وما عَرَفَ الكثيرُ الحِلمَ والأخلاقَ لأنَّ النُّفوسَ ما زُكِّيَت.

فاقدُ الشَّيءِ لا يُعطيهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من تلبَّسَ بالأنا الفِرعَونِيَّةِ ولم يُزَكِّ نفسَهُ كيفَ يُربِّي غيرَهُ من ولدٍ وزوجةٍ ورعيَّةٍ استرعاهُ اللهُ تعالى عليها؟

هذا الحبيبُ الأعظمُ سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قبلَ أن يُزكِّي نُفوسَ أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كانت نفسُهُ أطهرَ النُّفوسِ على الإطلاقِ، فما عَرَفَ الاستِعلاءَ والاستِكبارَ ـ حاشاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من ذلك ـ ولو كانَ الاستِكبارُ والاستِعلاءُ جائزاً في حقِّ العِبادِ لكانَ أولى النَّاسِ بهما سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ الذي آتاهُ اللهُ تعالى إيَّاهُ ما آتاهُ لأحَدٍ من قبلِهِ ولا من بعدِهِ، ولذلكَ كانَ يقولُ عن ذاتِهِ الشَّريفةِ: «آكُلُ كما يأكُلُ العبدُ، وأجلِسُ كما يجلِسُ العبدُ، فإنِّما أنا عبدٌ» رواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ويقولُ: «إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يسبِقُ حِلمُهُ جَهلَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُدوةُ الصَّالِحَةُ لمن أرادَ الكمالَ، كانَ من أوصافِهِ في الكُتُبِ السَّابِقةِ أنَّ حِلمَهُ يسبِقُ جَهلَهُ ـ وحاشاهُ من الجَهلِ ـ

روى الطبراني عَنْ عبد الله بن سلامٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى هَدْيَ زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ : مَا مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ، إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ ، وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْماً ، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ.

قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةَ بَنِي فُلانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ ، وَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِسْلامِ طَمَعاً كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أَرَاهُ عَلِيّاً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ.

قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْراً مَعْلُوماً مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: لا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْراً مَعْلُوماً إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا يُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلانٍ، قُلْتُ: نَعَمْ ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالاً مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ ، فَقَالَ : أَعْجِلْ عَلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ بِهَا.

قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحِلِّ الأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَلا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْل، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ ، وَقَالَ : يَا عَدُوَّ اللهِ، تَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى؟ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ ، لَوْلا مَا أُحَاذِرُ قُوَّتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤْدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا ، أنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ،

قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ ، قُلْتُ : وَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ ؟ قَالَ : لا ، مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ ، قَالَ : الْحَبْرُ ؟ قُلْتُ : الْحَبْرُ ، قَالَ : فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلْتَ، وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ ؟ قُلْتُ : يَا عُمَرُ ، لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ ، وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْماً، فَقَدِ اخْتَبَرْتُهُمَا فَأُخْبِرُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً ، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيّاً، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي، فَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالاً، صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ : أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ ، فَإِنَّكَ لا تَسَعُهُمْ ، قُلْتُ : وَعَلَى بَعْضِهِمْ ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ زَيْدٌ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

الفوائدُ من هذا الحديثِ الشَّريفِ:

أيُّها الإخوة الكرام: أهلُ الكتابِ يعرِفونَ سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما يعرِفونَ أبناءَهُم، قال تعالى في حقِّهِم: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾.

وكذلكَ المشركونَ يعرِفونَهُ حقَّ المعرِفةِ، كما قالَ أبو جهلٍ، روى البيهقي عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضيَ الله عنهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ مَكَّةَ، إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلُمَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى رَسُولِهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا؟ هَلْ تُرِيدُ إِلا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فَوَاللهِ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ مَا اتَّبَعْتُكَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ : فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقّاً، وَلَكِنَّ بَنِي قُصَيٍّ، قَالُوا : فِينَا الْحِجَابَةُ ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالُوا: فِينَا اللِّوَاءُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، قَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ وَاللهِ لا أَفْعَلُ.

فهل نتعرَّفُ عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أم ـ لا قدَّرَ اللهُ تعالى ـ ينطَبِقُ على من جَهِلَ نبيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قولُ اللهِ تعالى ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾؟ هذا أولاً.

ثانياً: أن تكونَ الشَّفقةُ والرَّحمةُ في قُلوبِنا على خلقِ الله تعالى، وخاصَّةً من المَنكوبينَ والمتضَرِّرينَ في هذهِ الأيَّامِ، لأنَّ البعضَ كادَ أن يُفتنَ في دِينِهِ ـ والعياذُ باللهِ تعالى ـ

ثالثاً: التَّفقُّهُ في دِينِ الله تعالى، وخاصَّةً في التِّجارةِ، وفي بيعِ السِّلمِ بالأخصِّ.

رابعاً: الغِيرةُ على شَرعِ الله تعالى، وعلى سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأن تكونَ الغِيرةُ مُنضبِطَةً بِضَوابِطِ الشَّريعةِ، وذلكَ في رِعايةِ العُهودِ والمَواثيقِ، وحُسنِ الأخلاقِ.

خامساً: أن نُوَطِّنَ أنفُسَنا لِقَبولِ النُّصحِ، ولو كانَ النَّاصِحُ أدنى من المنصوحِ.

سادساً: مقابلةُ المسيءِ لا بالعفوِ والصَّفحِ فقط، بل بالإحسانِ إليه، طَمَعاً فيه عسى أن يكونَ مؤمناً مُتَّبِعاً لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خاتمةٌ نسألُ اللهَ تعالى حُسنها:

أيُّها الإخوة الكرام: الكلُّ خارِجٌ من الدُّنيا ومُسافِرٌ إلى الآخرَةِ، فليذكُرِ الواحِدُ منَّا قولَهُ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾. وقولَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولنجاهِد أنفُسَنا عسى أن يسبِقَ حِلمُنا جَهلَنا. اللَّهُمَّ أكرِمنا بذلكَ. آمين. وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 26/ربيع الأول /1434هـ، الموافق: 6/شباط / 2013م