5ـ مع الحبيب المصطفى: لم يكن له نظير من الخلق في أخلاقه على الإطلاق

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

 5ـ لم يكن له نظير من الخلق في أخلاقه على الإطلاق

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللَّهُمَّ زِد هذا الحبيبَ الأعظمَ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرَفاً إلى شَرَفِهِ الذي أولَيتَهُ، وعِزَّاً إلى عِزِّهِ الذي أعطيتَهُ، ونوراً إلى نورِهِ الذي منهُ خَلَقتَهُ، وأعلِ يا ربِّ مقامَهُ في مَقاماتِ المرسلينَ، ودَرَجَتَهُ في دَرَجاتِ النَّبيِّينَ، ونسألُكَ يا ربَّنا رِضاكَ ورِضاهُ مع العافِيَةِ الدَّائِمَةِ، والموتَ على الكِتابِ والسُّنَّةِ والجماعةِ، وكَلِمَتَيِ الشَّهادةِ على تحقيقِها من غيرِ تبديلٍ ولا تغييرٍ، آمين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: يقولُ مولانا العظيمُ، في كتابِهِ العظيمِ، مُبَيِّناً قَدرَ نبيِّهِ العظيمِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون﴾. ويا حَبَّذا لو أنَّ القومَ اكتَفَوا بِكِتمانِ الحقِّ، ولكنَّ حِقدَهُمُ الدَّفينَ الذي في صُدورِهِم دَفَعَهُم للافتِراءِ على هذا الحبيبِ الأعظمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي يعرِفونَهُ كما يعرِفونَ أبناءَهُم بأنَّ البشرِيَّةَ لم تعرِفْ ولن تعرِفَ أرحمَ منهُ، واتَّهَمُوهُ بالتَّطرُّفِ والعُنفِ والإرهابِ، واستطاعوا أن يُجَنِّدوا بعضَ أفرادِ هذهِ الأمَّةِ لهذهِ المَهَمَّةِ، فباعَ هؤلاءِ دِينَهُم بِعَرَضٍ من الدُّنيا قليلٍ، عَرَفَ هذا من عَرَفَ، وجَهِلَهُ من جَهِلَهُ.

إنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الرَّحمةُ المُهداةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: ما عَرَفَتِ الدُّنيا ولن تعرِفَ أرحمَ ممَّن جَعَلَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ رحمةً للعالمينَ، فلم يكُن له نظيرٌ في الخَلْقِ على الإطلاقِ، ولا يلحَقُهُ أو يُقارِبُهُ في رحمتِهِ رسولٌ ولا نبيٌّ ولا ملكٌ، وكيفَ يَلحَقُهُ أحَدٌ وهوَ مَشمولٌ في رحمتِهِ؟ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.

لقد شَمَلَت رحمتُهُ جميعَ المخلوقاتِ،من نِساءٍ ورِجالٍ، وشُيوخٍ وأطفالٍ، وعَبيدٍ وإماءٍ وأحرارٍ، وكُفَّارٍ ومُؤمنينَ، وعُصاةٍ وطائِعينَ، وطالِحينَ وصالِحينَ، وأعداءَ وأصدِقاءَ، وحاضِرةٍ وأعرابَ وبادِيَةٍ، وجُهَّالَ وعُلَماءَ، ومُبغِضٍ ومُوِدٍّ، وحاضِرٍ وغائِبٍ، ومن وَلَدَ ومن لم يُولد.

رَمَتني بِدائِها وانسلَّت:

أيُّها الإخوة الكرام: هؤلاءِ الذينَ قالوا عن حبيبِنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما قالوا، هوَ في الحقيقةِ صورةٌ من صُوَرِ البُغضِ لهذا النَّبيِّ العظيمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾. وانطَبَقَ عليهِمُ المَثَلُ الذي يقولُ: رَمَتني بدائِها وانسلَّت.

هؤلاءِ سِيرَتُهُم مع أنبيائِهِم مَعروفةٌ ومَعلومةٌ عِندَنا، أمَا قالَ اللهُ تعالى عنهُم في كِتابِهِ العظيمِ يَصِفُ تَعَنُّتَهُم: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾؟ أمَا تواطَؤوا مع اليهودِ على قَتلِ نبِيِّهِم عليه السَّلامُ، فَسَلَّمَهُ اللهُ تعالى منهُم، وَرَفَعَهُ إليه؟

هذهِ بِدايَتُهُم مع أنبيائِهِم، ونِهايَتُهُم تُشاهِدونَها كيفَ دَمَّروا البلادَ والعِبادَ بِأسلِحَتِهِمُ الفتَّاكةِ التي لم يَسلم منها صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا إنسانٌ ولا حَيوانٌ، ولا نباتٌ ولا جَمادٌ.

لم يقتُل بِيَدِهِ الشَّريفةِ إلا خَبيثاً واحِداً:

أيُّها الإخوة الكرام: نبيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي عاشَ ثلاثاً وسِتِّينَ سَنَةً، وغَزا سبعاً وعشرينَ غزوةً، لم يقتُل بِيَدِهِ الشَّريفةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلا خَبيثاً واحِداً، هوَ أبيُّ بنُ خَلَفٍ ـ عامَلَهُ اللهُ تعالى بِعَدلِهِ ـ وأصحابُهُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لم يقتُلوا في جميعِ الغَزَواتِ سِوى مِئةً وثلاثينَ رجلاً.

وانظُروا كيفَ قَتَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كانَ هذا الخَبيثُ يقولُ للنَّبيِّ الكريمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مكَّةَ: إنَّهُ يعلِفُ فَرَسَهُ لِيَقتُلَهُ عليها، فقالَ له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أنا أقتُلُكَ إن شاءَ اللهُ».

فلمَّا كانت غزوةُ أُحُدٍ، جاءَ الخَبيثُ، وهوَ يقولُ: أينَ محمَّدٌ؟ لا نَجَوتُ إن نَجَا.

فتناوَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَربةَ من الحارثِ بنِ الصِّمَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَطَعَنَهُ بها في عُنُقِهِ، فَتدأدأ عن فَرَسِهِ، ثمَّ رَجَعَ إلى قُريشٍ، وهوَ يقولُ: قَتَلني محمَّدٌ.

فقالوا: ذَهَبَ والله فُؤادُكَ، والله إن لم يَكُن بك بأسٌ.

فقال: إنَّهُ قالَ لي بِمَكَّةَ: أنا أقتُلُكَ، فوالله لو بَصَقَ عليَّ لَقَتَلني. فماتَ عدُوُّ الله بِسَرَفٍ.

من مظاهِرِ رحمتِهِ فتحُ مكَّةَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من مَظاهِرِ رحمةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يومَ فتحِ مكَّةَ، حيثُ تجلَّى في هذا اليومِ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسالِمٌ  يُحِبُّ السِّلمَ، لا يعرِفُ الانتِقامَ ولا الأخذَ بالثَّأرِ، لا يعرِفُ الحِقدَ ولا البُغضَ، ولم يَكُن مُتَعَطِّشاً ـ حاشاهُ ـ لِسفكِ الدِّماءِ، مع كلِّ ما فَعَلَتْهُ قُريشٌ مَعَهُ ومع أصحابِهِ.

أخرَجوهُ من مكَّةَ المكرَّمةَ، بعدَ حِصارٍ في شُعَبٍ من شِعابِ مكَّةَ، قَتَلوا وعَذَّبوا ونكَّلوا بأصحابِهِ الكِرامِ ما لا يخطُرُ في بالٍ، استَولَوا على بُيوتِهِم وأموالِهِم، شَتَّتوا شَملَهُم، فرَّقوا بينَهُم وبينَ أحِبَّتِهِم، جَمَعوا له ولأصحابِهِ الجُموعَ، حَرَّضوا عليهِمُ اليهودَ والمَنافقينَ، سَفَكوا دِماءَهُم، مَثَّلوا بأصحابِهِ الكِرامِ، اِرتَكَبوا أبشعَ الجرائِمَ مَعَهُ ومع أصحابِهِ، ومع كلِّ هذا لم يُقابِلْهُم بِجُرمِهِم، ولا بِمِثلِ فِعلِهِم، بل ظَهَرَ منهُ العفوُ والصَّفحُ والرَّحمةُ والشَّفقةُ.

أيُّها الإخوة الكرام: ربُّنا عزَّ وجلَّ أباحَ له القِتالَ في مكَّةَ، وذلكَ من أجلِ تَطهيرِها من الشِّركِ والوَثَنِيَّةِ، كما جاء في الحديث المتَّفقِ عليه، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ».

مع كلِّ هذا:

أولاً: لم يُقاتِل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مكَّةَ، مع أنَّ اللهَ تعالى أحلَّ له ذلكَ.

ثانياً: لم يأذن لعامَّةِ الجَيشِ بالقِتالِ، إلا إذا قُوتِلوا.

ثالثاً: أعطى الأمانَ للجميعِ، إلا للذي يبدأُ القِتالَ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فلو كانَ يُحِبُّ سَفكَ الدِّماءِ لما قالَ هذا القَولَ.

رابعاً: سمَّى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يومَ الفتحِ بِيومِ المَرحمةِ، روى الإمام البخاري أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عمَّهُ العبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِحَبسِ أبي سُفيانَ بعدَ إسلامِهِ عندَ خَطمِ الجبلِ لِيَستعرِضَ الجيشَ الإسلاميَّ الدَّاخلَ إلى مكَّةَ يومَ الفتحِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ الله فَيَرَاهَا، فَفَعَلَ، فَمَرَّت الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا كُلَّمَا مَرَّتْ بِهِ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ، قَالَ: فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِسُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ، فَيَقُولُ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ، حَتَّى نَفِدَتِ الْقَبَائِلُ، مَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلا سَأَلَنِي عَنْهَا، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِمْ قَالَ: مَا لِي وَلِبَنِي فُلَانٍ.

فلمَّا مَرَّت به كتيبةُ الأنصارِ عليهم سعدُ بنُ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ومعَهُ الرَّايةُ، فقالَ سعدُ بنُ عُبادةَ، يا أبا سُفيان: اليومَ يومُ الملحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكعبةُ، الْيَوْمَ أَذَلَّ اللهُ قُرَيْشاً.

فلمَّا مَرَّ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: «مَا قَالَ؟» قَالَ: «كَذَا وَكَذَا» فَقَالَ: «كَذَبَ سَعْدٌ ـ يعني: أخطأ بلغةِ أهلِ الحِجازِ ـ وَلَكِنْ: هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ».

وجاء في سِيرةِ ابنِ هشامَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا أبا سفيان، الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ يُعِزُّ اللهُ فِيهِ قُرَيْشاً».

ولم يَكتفِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بذلكَ، بل نَزَعَ الرَّايةَ من سعدِ بنِ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وأعطاها لِغَيرِهِ.

خامساً: لمَّا دَخَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مكَّةَ فاتِحاً، وجَمَعَ قُرَيشاً، وهم يتوقَّعونَ القتلَ بسببِ جرائِمِهِم، فقالَ لهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قَالُوا: خَيْراً، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: «اِذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ». ولهذا سُمِّيَ بيومِ المَرحمةِ.

بل انظُروا إلى رَحمتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بعدَ كلِّ هذا الذي قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وفَعَلَهُ، عندما كانَ يطوفُ بالبيتِ اقتَرَبَ منهُ رجلٌ يُقالُ له: فُضالةُ، يُريدُ قَتلَهُ، فقال له رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أفضالةَ؟» قال: نعم، فُضالةُ يا رسولَ الله، قال: «ماذا كنتَ تُحدِّثُ به نفسَكَ؟» قال: لا شيءَ، كُنتُ أذكُرُ اللهَ، فَضَحِكَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ قال: «اِستَغفِرِ الله» ثمَّ وَضَعَ يَدَهُ على صَدرِهِ فَسَكَنَ قلبُهُ، فكانَ فُضالةُ يقولُ: والله ما رَفَعَ يَدَهُ عن صَدرِي حتَّى ما خَلَقَ اللهُ شيئاً أحبَّ إليَّ منهُ.

خاتمةٌ نسألُ اللهَ تعالى حُسنها:

أيُّها الإخوة الكرام: واللهِ الذي لا إلهَ غيرُهُ، إنَّهُم لَيعرِفونَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما يعرِفونَ أبناءَهُم، يعرِفونَ سِيرَتَهُ العَطِرَةَ، يعرِفونَ أنَّ اللهَ تعالى ما خَلَقَ في الوُجودِ مِثلَهُ في الرَّحمةِ ولن يخلُقَ مِثلَهُ بعدَهُ، ولكنَّ الاستِكبارَ والعِنادَ، والحِقدَ والبغضاءَ في قُلوبِهِم دَفَعَتْهُم لهذهِ الفِريةِ، فقالوا: إنَّ دِينَهُ دِينُ إرهابٍ وتطرُّفٍ وعُنفٍ، فهل نكونُ جُنوداً لهذهِ الفِريةِ حتَّى يُصدِّقَها الغربُ؟ أم نكونُ جُنوداً من جُنودِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُعطي الصُّورةَ الحَسَنَةَ عن نبيِّ الرَّحمةِ الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رحمةً للعالمين؟

يا عباد الله، لا تُشَوِّهوا صورةَ إيمانِكُم بِنبيِّكُم من خلالِ أقوالِكُم وأفعالِكُم، وتذكَّروا قولَ الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾.

اللَّهُمَّ اجزِ عنَّا سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيرَ ما جَزيتَ نبيَّاً عن أمَّتِهِ يا أرحمَ الرَّاحمين. وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 24/ربيع الأول/1434هـ، الموافق: 4/شباط / 2013م