2ـ دروس رمضانية: حسن الخُلق مرتبط بالإيمان

 

 2ـ دروس رمضانية: حسن الخُلق مرتبط بالإيمان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ سَهْلُ العَريكَةِ، لَيِّنُ الجانِبِ، طَلْقُ الوَجْهِ، قَليلُ النُّفورِ، طَيِّبُ الكَلِمَةِ، يَألَفُ ويُؤلَفُ، سَمحاً عن حُقوقِهِ، يُوفي بما يَجِبُ عليه لِغَيرِهِ، يَعودُ المَريضَ وإن لم يُعَدْ، ويَزورُ المُسافِرَ وإن لم يُزَرْ، ويَرُدُّ السَّلامَ وإن لم يُرَدَّ عليهِ، ويُنصِتُ للآخَرينَ وإن لم يُنصَت لهُ، يَبذُلُ المَعروفَ قَولاً وفِعلاً، ويَكفُّ الأذى قَولاً وفِعلاً.

حُسنُ الخُلُقِ مُرتَبِطٌ بالإيمانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: حُسنُ الخُلُقِ مُرتَبِطٌ بالإيمانِ والتَّصديقِ بالجَزاءِ عليهِ، فَكُلَّما قَوِيَ الإيمانُ بالله تعالى، وقَوِيَ التَّصديقُ بالجَزاءِ عليهِ، كُلَّما حَسُنَ الخُلُقُ، والعَكسُ بالعَكسِ.

أولاً: الخُلُقُ تَكليفٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: الخُلُقُ الحَسَنُ تَكليفٌ شَرعِيٌّ، ويَجِبُ على المؤمنِ أن يَمتَثِلَ الأمرَ، روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

وهذا ما ربَّى عليه لُقمانُ وَلَدَهُ، قال تعالى حِكايَةً عنهُ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير﴾.

 ثانياً: الخُلُقُ الحَسَنُ أثقَلُ شيءٍ في الميزانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الخُلُقُ الحَسَنُ يُثقِلُ ميزانَ العبدِ يومَ القِيامَةِ، ومن ثَقُلَ مِيزانُهُ يومَ القِيامَةِ فازَ، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة﴾.

والذي يُثقِلُ الميزانَ هوَ الخُلُقُ الحَسَنُ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ».

ثالثاً: بَيتُ صاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ في أعلى الجَنَّةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: صاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ بَيتُهُ في أعلى الجَنَّةِ يومَ القِيامَةِ، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ، روى أبو داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ ـ ضامِنٌ ـ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ـ في أطرافِها ـ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ـ الجَدَلَ ـ وَإِنْ كَانَ مُحِقَّاً، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحاً، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ».

رابعاً: بالخُلُقِ الحَسَنِ يَكمُلُ الإيمانُ:

أيُّها الإخوة الكرام: بالخُلُقِ الحَسَنِ يَكمُلُ الإيمانُ، وكُلَّما كَمُلَ الإيمانُ كُلَّما قَرُبَ مَجلِسُ صاحِبِهِ من مَجلِسِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يومَ القِيامَةِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقاً» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقاً، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ ـ كثيروا الكلامِ تَكَلُّفاً ـ وَالْمُتَشَدِّقُونَ ـ المُتَكَلِّمُ بِمِلءِ فيهِ تَفاصُحاً وتَعظيماً لِكَلامِهِ ـ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟

قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أكمَلُ النَّاسِ خَلقاً وخُلُقاً، وهوَ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لمن كانَ يَرجو اللهَ واليومَ الآخِرَ، لقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدرءُ بالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ يَهُودَ أَتَوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ ـ الموتُ ـ عَلَيْكُمْ. وفي رواية: قالوا: السَّامُ عليكَ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ.

قَالَ: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ».

قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟!

قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟! رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».

أيُّها الإخوة الكرام: كُلَّما عَظُمَ الإيمانُ كُلَّما عَظُمَ حُسنُ الخُلُقِ، وحافَظَ العبدُ على تَكريمِ الله عزَّ وجلَّ لهذا العبدِ القائِلِ فيه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.

وإذا ابتَعَدَ العبدُ المؤمنُ عن الخُلُقِ الحَسَنِ انحَطَّ إلى الدَّرَكاتِ، ورُبَّما أن تَكونَ البَهيمَةُ خَيراً منهُ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا، وَأَكْثَرُ ذِكْراً لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ».

أسألُ اللهَ تعالى لي ولكم حُسنَ الخُلُقِ في القَولِ والعَمَلِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 2/ رمضان/1434هـ، الموافق: 11/تموز / 2013م