3ـ دروس رمضانية: صاحب الخُلق الحسن وقَّاف عند حدود الله عزَّ وجلَّ

 

 3ـ دروس رمضانية: صاحب الخُلق الحسن وقَّاف عند حدود الله عزَّ وجلَّ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد جَمَعَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بينَ التَّقوى وحُسنِ الخُلُقِ، لأنَّ تَقوى الله تعالى تُصلِحُ ما بينَ العَبدِ وربِّهِ، وحُسنَ الخُلُقِ يُصلِحُ ما بينَهُ وبينَ خَلقِهِ.

وتقوى الله عزَّ وجلَّ تَجلِبُ للعبدِ المتَّقي مَحَبَّةَ الله تعالى، وحُسنُ الخُلُقِ يَجلِبُ مَحَبَّةَ الخَلقِ لِصاحِبِهِ، والعبدُ لا يَكونُ صاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ بِحَقٍّ إلا بالإيمانِ، وكُلَّما عَظُمَ الإيمانُ عَظُمَ الامتِثالُ لأمرِ الله تعالى القائِلِ للعبدِ المُكَرَّمِ: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾.

صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ يَكثُرُ مُحِبُّوهُ، ويَقِلُّ مُعادوهُ، وبذلكَ تَسهُلُ عليهِ الأمورُ الصِّعابُ، وتَلينُ له القُلوبُ الغِضابُ، وكما جاءَ في الأثَرِ: صاحِبُ المَعروفِ لا يَقَعُ، وإذا وَقَعَ وَجَدَ مُتَّكَأً.

صَاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ من نَفسِهِ في راحَةٍ، والنَّاسُ منهُ في سَلامَةٍ، والسَّيِّئُ الخُلُقِ النَّاسُ منهُ في بَلاءٍ، وهوَ من نَفسِهِ في عَناءٍ.

أنا أحَقُّ بذا منكَ:

أيُّها الإخوة الكرام: صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ معَ الخَلقِ رابِحٌ، وليسَ بِخاسِرٍ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ الذي أمَرَ عَبدَهُ بِحُسنِ الخُلُقِ معَ الخَلقِ لا شَكَّ بأنَّهُ تعالى سَيُعامِلُهُ من خِلالِ حُسنِ خُلُقِهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أُتِيَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟

قَالَ: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾.

قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ.

فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي.

تَذَكَّروا أيُّها الإخوة الكرام قَولَ الله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾. فَتَعامَلوا معَ خَلقِ الله تعالى بالإحسانِ والفَضْلِ، رَجاءَ أن يُعامِلَنا اللهُ تعالى بإحسانِهِ وفَضْلِهِ.

صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ وَقَّافٌ عِندَ حُدودِ الله عزَّ وجلَّ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ صاحِبَ الخُلُقِ الحَسَنِ وَقَّافٌ عِندَ حُدودِ الله تعالى لا يَتَعَدَّاها إذا غَضِبَ.

روى الإمام البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِن النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّاناً.

فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ؟ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ.

قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فوالله مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ.

فَغَضِبَ عُمَرُ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ.

فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿خُذ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾. وَإِنَّ هَذَا مِن الْجَاهِلِينَ.

والله مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ الله.

صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ يَتَعامَلُ معَ الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: صاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ يَتَعامَلُ معَ الله تعالى، ولا يَنظُرُ إلى الخَلقِ إنْ أَسَاؤُوا معَهُ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً.

قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ الله الَّذِي عِنْدَكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: حُسنُ الخُلُقِ من كَمالِ الإيمانِ وحُسنِ الإسلامِ، وأفضَلِ ما يُقَرِّبُ العبدَ من ربِّهِ سُبحانَهُ وتعالى، حُسنُ الخُلُقِ سَبَبٌ في رَفْعِ الدَّرَجاتِ وعُلُوِّ الهِمَمِ، وسَبَبٌ للقُربِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وسَبَبٌ لِنَيلِ المَحَبَّةِ منهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ويَجعَلُ صاحِبَهُ وَقَّافاً عِندَ حُدودِ الله عزَّ وجلَّ، إذا ذُكِّرَ بالله تعالى تَذَكَّرَ.

أسألُ الله تعالى لي ولكم أحسَنَ الأخلاقِ والأعمالِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 3/ رمضان/1434هـ، الموافق: 12/تموز / 2013م