5ـ دروس رمضانية: اللين وأثره

 

 5ـ دروس رمضانية: اللين وأثره

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: شَرائِعُ الإسلامِ كافَّةً من عَقيدَةٍ وعِبادَةٍ ومُعامَلَةٍ وأخلاقٍ، لو خَبُرتَها، أو سألتَ عنها خَبيراً لَوَجَدتَها مَمزوجَةً بالرِّفقِ واللِّينِ.

وما دامَت شَرائِعُ الله تعالى كذلكَ كانَ لِزاماً على مُبَلِّغِها أن يَتَّصِفَ بالرِّفقِ واللِّينِ، وإلا تَناقَضَ المُبَلِّغُ مع المُبَلَّغِ به، ولأعرَضَ المُبَلَّغُ عن هذا الشَّرعِ.

يقولُ الإمام الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وقد ثَبَتَ أنَّ الشَّريعَةَ مَوضوعَةٌ على قَصْدِ الرِّفقِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ اللِّينَ في الدَّعوَةِ إلى الله تعالى بَشيرُ يُمنٍ، والعُنفَ فيها نَذيرُ شُؤمٍ، ومن هُنا ألفَيتَ القُرآنَ الكريمَ داعِياً إلى هذا الخُلُقِ خُلُقِ اللِّينِ، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

ويقولُ تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

ويقولُ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾.

ويقولُ تعالى آمِراً لِسَيِّدِنا موسى وأخيه هارون عليهما السَّلام: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *  فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.

ويقولُ لِسَيِّدِ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ وخاتَمِهِم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾.

هَدْيُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في اللِّينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمعْ إلى هَدْيِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في اللِّينِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا».

فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لله قَائِماً وَالنَّاسُ نِيَامٌ».

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ ـ أَوْ قَالَ: إِلَى الْمَسْجِدِ ـ صَدَقَةٌ».

أيُّها الإخوة الكرام: وقد وَصَفَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «المؤمِنونَ هَيِّنونَ لَيِّنونَ، مثلَ الجَمَلِ الأنفِ، إن قُدتَهُ انقادَ، وإن أنَختَهُ استَناخَ» رواه البيهقي عن ابن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

اللَّهُمَّ اغفِر ذَنبَهُ، وطَهِّر قَلبَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: اللِّينُ في الكَلِمَةِ له أثَرٌ كبيرٌ في نَفسِ المَدعو إلى الله تعالى، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: إِنَّ فَتىً شَابَّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا.

فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ادْنُهْ»

فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، فَجَلَسَ.

قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟»

قَالَ: لَا والله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ»

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟»

قَالَ: لَا والله يا رسولَ الله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟»

قَالَ: لَا والله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ»

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟»

قَالَ: لَا والله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ»

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟»

قَالَ: لَا والله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ»

قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»

فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِينُ الكَلِمَةِ من صِفاتِ المؤمنينَ البَرَرَةِ، وأثَرٌ من آثارِ رَحمَةِ الله تعالى، اللِّينُ في الكَلِمَةِ أدعى إلى الإجابَةِ والقَبولِ، اللِّينُ في المُعامَلَةِ يُعَطِّفُ قُلوبَ النَّاسِ ويَجمَعُهُم حَولَ من يَلينُ لهُم، اللِّينُ يُباعِدُ من النَّارِ في الآخِرَةِ، ومن الشَّرِّ والعُدوانِ في الدُّنيا، اللِّينُ يُوَرِّثُ المَحَبَّةَ والتَّعاطُفَ بينَ الأُمَراءِ والمأمورينَ، وبينَ الآباءِ والأبناءِ، وبينَ المُعَلِّمينَ والمُتَعَلِّمينَ، وبينَ الأغنِياءِ والفُقَراءِ، وبينَ الأزواجِ وزَوجاتِهِم، وبينَ أفرادِ المُجتَمَعِ كُلِّهِ، وباللِّينِ يُصبِحُ المُجتَمَعُ كالجَسَدِ الواحِدِ.

اللَّهُمَّ ارزُقنا أحسَنَ الأخلاقِ والأعمالِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 5 /رمضان /1434هـ، الموافق: 14 /تموز / 2013م