79ـ كلمة شهر رمضان1434هـ

 

 مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أخي الصَّائِمَ الكريمَ: يا من راقَبتَ اللهَ تعالى في صِيامِكَ، فَكَفَفتَ جَوارِحَكَ عن المُفطِراتِ، امتِثالاً لأمرِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾. أُذَكِّرُ نَفسي وأُذَكِّرُكَ ونحنُ نُراقِبُ اللهَ تعالى في شَهرِ رَمضانَ بِبَعضِ الأحاديثِ الشَّريفَةِ:

أولاً: روى الطبراني في الكبير عن عَبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «النَّمِيمَةُ وَالشَّتِيمَةُ وَالْحَمِيَّةُ فِي النَّارِ، وَلا يَجْتَمِعَنَّ فِي صَدْرِ مُؤْمِنٍ». وفي لفظٍ: «إِنَّ النَّمِيمَةَ وَالْحِقْدَ فِي النَّارِ، لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ مُسْلِمٍ».

فاحذَر يا أخي الصَّائمَ من النَّميمَةِ والشَّتيمَةِ وَالْحَمِيَّةِ والحِقدِ، وما ذاكَ إلا لِسَلامَةِ قَلبِكَ، وتَذَكَّر قَولَهُ تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.

ثانياً: روى الحاكم عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «المَكرُ والخَديعَةُ والخِيانَةُ في النَّارِ».

وفي رواية للبيهقي عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» لَكُنْتُ مِنْ أَمْكَرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

فاحذَر يا أخي الصَّائمَ من المَكرِ والخَديعَةِ والخِيانَةِ.

ثالثاً: روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ».

قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟

قَالَ: «السَّفِيهُ، يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

فاحذَر يا أخي الصَّائمَ أن تُصَدِّقَ الكاذِبَ، أو تُكَذِّبَ الصَّادِقَ، أو تُخَوِّنَ الأمينَ، أو تُؤَمِّنَ الخائِنَ، أو أن تَكونَ سَفيهاً.

رابعاً: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟

قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».

فاحذَر يا أخي الصَّائمَ أن تَكونَ ممَّن ساءَ عَمَلُهُ، حتَّى لا تَكونَ من شَرِّ النَّاسِ.

خامساً: روى الحاكم عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اِتَّقوا دَعَواتِ المَظلومِ، فإنَّها تَصعَدُ إلى السَّماءِ كَأنَّها شَرارٌ».

فاحذَر يا أخي الصَّائمَ الظُّلمَ، واتَّقِ دَعوَةَ المَظلومِ، فإنَّها مُستَجابَةٌ ولو بعدَ حينٍ، وتَذَكَّر قولَ البرمكيِّ لولده عندما حُبِسا: يا ولدي، دَعوَةُ مَظلومٍ سَرَت ليلاً غَفَلنا عنها، وما غَفَلَ اللهُ عنها.

وفي الخِتامِ أقولُ لنفسي ولك يا أخي الصَّائِم: الموتُ يَطلُبُنا، واللهُ تعالى ليسَ بِغافِلٍ عنَّا، ورَضِيَ اللهُ عن سيِّدِنا سَلمانَ الفارِسِيِّ الذي كانَ يَقولُ: ثَلاثٌ أضحَكنَنِي، وثَلاثٌ أبكَينَني، فأمَّا اللَّاتي أضحَكنَني، فَمُؤَمِّلُ الدُّنيا والموتُ يَطلُبُهُ، وغَافِلٌ ولَيسَ بِمَغفولٍ عنهُ، وضَاحِكٌ مِلءَ فِيهِ لا يَدري أراضٍ رَبُّهُ عنهُ أو سَاخِطٌ، وأمَّا اللَّاتي أبكَينَني، مُفارَقَةُ الأحِبَّةِ، مُحَمَّدٍ وحِزبِهِ، وهَولُ المطلَعِ، ومَوقِفي غَداً بَين يَدَيِ الله عزَّ وجلَّ.

أسألُ اللهَ تعالى لي ولكَ يا أخي الصَّائِم حَقَّ التَّقوى، لأنَّ الغايَةَ من الصِّيامِ أن نَصِلَ إلى دَرَجَةِ التَّقوى، وحَقُّ التَّقوى كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنْ الله حَقَّ الْحَيَاءِ»

قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لله.

قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِن الله حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى».

أسألُ اللهَ تعالى أن لا يَجعَلَنا من النَّادِمينَ عندَ سَكَراتِ الموتِ، وأن يَجعَلَنا فَرِحينَ مُستَبشِرينَ ضاحِكينَ مَسرورينَ، قائلينَ: غداً نَلقى الأحِبَّةَ، سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ الكِرامَ. آمين.

أرجوكَ أخي الصَّائم دَعوَةً صالِحَةً بظهرِ الغيبِ، وجزاكُمُ اللهُ تعالى عنِّي خَيرَ الجَزاءِ.

أخوكم أحمد شريف النعسان

         يرجوكم دَعوةً صالِحةً بظهرِ الغَيبِ

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/رمضان /1434هـ، الموافق: 10/تموز / 2013م