7 ـ دروس رمضانية: الإنسان بدون أخلاق لا يصلح أن يكون حامل رسالة

 

 7 ـ دروس رمضانية: الإنسان بدون أخلاق لا يصلح أن يكون حامل رسالة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّ مُؤمنٍ مُسلِمٍ مُطالَبٌ بأن يَتَحَلَّى بِمَكارِمِ الأخلاقِ، ومَحاسِنِ الشِّيَمِ، فَخَيرُ المُسلِمينَ أحاسِنُهُم أخلاقاً، الْمُوَطَّئُونَ أكنافاً، الذينَ يَألَفونَ ويُؤلَفونَ.

والإنسانُ الذي لا يَتَحَلَّى بالأخلاقِ الفاضِلَةِ والشِّيَمِ الحَميدَةِ لا يَصلُحُ أن يَكونَ حامِلَ رِسالَةِ صَلاحٍ أو إصلاحٍ، لأنَّ النُّفوسَ لا تَقبَلُهُ ولا تَنقادُ إليهِ، بل يَكونُ تَأثيرُهُ في النَّاسِ مُضادَّاً تَمَاماً، لأنَّهُ بِسُوءِ خُلُقِهِ يَجعَلُ النَّاسَ تَنفِرُ منهُ، وتَتَباعَدُ عنهُ، وتَجفو مَجالِسَهُ، ولا تَكتَرِثُ لأحوالِهِ ونَصائِحِهِ، وإن كَانَ من أكثرِ النَّاسِ عِلماً وفَصاحَةً وحُسنَ بَيانٍ.

أيُّها الإخوة الكرام: كيفَ يَقبَلُ النَّاسُ نُصحَ كَذَّابٍ مَعروفٍ لَدَيهِم بالكَذِبِ، أو يَنكَشِفُ لهُم كَذِبُهُ في تَعامُلِهِ معَهُم؟

كيفَ يَستَجيبُ النَّاسُ لإِرشَادِ وتَوجيهِ خَائِنٍ لا أَمانَةَ عِندَهُ؟

كيفَ يَصبِرُ النَّاسُ على التَّلَقِّي من غَضُوبٍ ضَيِّقِ الصَّدْرِ نَفوُرٍ يُخاطِبُهُم بِلِسانِ المُغاضِبِ المُشاتِمِ المُؤذِي بِأَقوالِهِ وأَفعَالِهِ؟

كيفَ يَثِقُ النَّاسُ بِدَنيءِ النَّفسِ غَيرِ عَفيفٍ، فَيَقبَلونَ منهُ دَعوَتَهُ ونَصائِحَهُ؟

كيفَ يَقبَلُ النَّاسُ نُصحَ حَسُودٍ يَتَطَلَّعُ إلى ما آتاهُمُ اللهُ تعالى مِمَّا يُحِبُّونَ من زِينَةِ الحياةِ الدُّنيا؟

كيفَ يَصبِرُ النَّاسُ على مُلازَمَةِ فَظٍّ غَليظِ القَلبِ يُنَفِّرُ النَّاسَ من مُلاقاتِهِ، والاجتِماعِ به؟

ثَناءُ الله تعالى على رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أثنى اللهُ تبارَكَ وتعالى على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُ على خُلُقٍ عَظيمٍ، وكَانَ هذا قَبلَ الهِجرَةِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَة، ثمَّ أَثنَى عَليهِ في المرحَلَةِ المَدَنِيَّةِ بأنَّهُ ليسَ فَظَّاً ولا غَلِيظَ القَلبِ.

لقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَكَّةَ المُكَرَّمَة قَبلَ الهِجرَةِ في ظاهِرِ الأمرِ ضَعِيفاً، فَكَانَ على خُلُقٍ عَظِيمٍ، وأَثنَى عليهِ مَولانا بِقَولِهِ تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُون * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾.

أمَّا بعدَ الهِجرَةِ فقد صارَ في ظاهِرِ الأمرِ وباطِنِهِ قَوِيَّاً، فكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَيِّناً لَيِّناً، ولم يَكُن فَظَّاً غَليظَ القَلبِ، وأثنى عليهِ مَولانا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد مَلَكَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُلوبَ بأخلاقِهِ العَظيمَةِ، ومَلَكَ إعجابَ خُصُومِهِ والكافِرِينَ به وبِرِسَالَتِهِ، وبذلكَ صَارَ قُدوَةً صَالِحَةً لأمَّتِهِ.

وكَم الأمَّةُ اليَومَ بِحَاجَةٍ إلى الاقتِدَاءِ بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وكَم الأمَّةُ اليومَ بِحَاجَةٍ إلى اللِّينِ في أَقوَالِهِم وأَفعَالِهِم، وأن لا يَكونَ الوَاحِدُ منهُم فَظَّاً غَلِيظَ القَلبِ في مُواجَهَةِ العِبادِ ومُخاطَبَتِهِم ومُعامَلَتِهِم، مَعَ إِنكارِ المُنكَرِ؟

مِثالٌ واحِدٌ من أخلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.

فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ».

فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ.

فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».

فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

قَالَ: أَنْشُدُكَ بالله آللهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟

قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

قَالَ: أَنْشُدُكَ بالله آللهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِن السَّنَةِ؟

قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

قَالَ: أَنْشُدُكَ بالله آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: نحنُ بِأمَسِّ الحاجَةِ إلى التَّحَلِّي بِالأخلاقِ الفاضِلَةِ، والشِّيَمِ النَّبيلَةِ، حتَّى نَكونَ مُبَشِّرينَ لا مُنَفِّرينَ. اللَّهُمَّ أكرِمنا بذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 7 /رمضان /1434هـ، الموافق: 16/تموز / 2013م