8 ـ دروس رمضانية: المُصلح الصادق لا يأمر بخير إلا ويكون أوَّل من أخذ به

 

 8 ـ دروس رمضانية: المُصلح الصادق لا يأمر بخير إلا ويكون أوَّل من أخذ به

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ المُسلِمُ يَجِبُ أن يَكونَ سُلوكُهُ مُطابِقاً لأقوالِهِ، وإلا كانَ يَقولُ للنَّاسِ بِلِسانِ حالِهِ: إنَّ هذا الدِّينَ الذي ألتَزِمُ به ظَاهِراً ليسَ ذا قِيمَةٍ حَقيقِيَّةٍ، ولو كانَ ذا قِيمَةٍ حَقيقِيَّةٍ لَكُنتُ من الملتَزِمينَ بِتَطبيقِهِ.

المُسلِمُ إذا لم يَكُن مُلتَزِماً بما يَنتَمي إليهِ يَهونُ عليهِ تَرْكُ ما يَنتَمي إليهِ بِمُجَرَّدِ أن يُلَوَّحَ لهُ بِعَرَضٍ من الدُّنيا قليلٍ.

أمَّا المُؤمِنُ الصَّادِقُ الذي تَطَابَقَ سُلوكُهُ معَ أقوالِهِ، فعلى العَكسِ من ذلكَ تماماً، فهذا سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ لِعَمِّهِ: يَا عَمِّ، لَوْ وُضِعَتِ الشَّمْسُ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرُ فِي يَسَارِي، مَا تَرَكْتُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِي طَلَبِهِ. رواه البيهقي عنِ ابنِ إسحاقَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

تَوجيهُ الله تعالى لسيِّدِ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: يا من أُمِرتُم بِتَطابُقِ الأفعالِ معَ الأقوالِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُون﴾. اِعلَموا بأنَّ اللهَ تعالى خاطَبَ نبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالتِزامِ الاستِقامَةِ ظاهِراً وباطِناً، قَولاً وعَمَلاً، وشَمِلَ بهذا الخِطابِ من تابَ معَهُ من المؤمنينَ.

قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لا تُنصَرُون﴾.

وقالَ له في مَوطِنٍ آخَرَ: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾.

وقالَ له في مَوطِنٍ آخَرَ: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِين * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من تَتَبَّعَ سِيرَةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فإنَّهُ لا يَجِدُ إلا التَّطابُقَ بينَ السُّلوكِ والكَلامِ، في ساعَةِ الرِّضا وفي ساعَةِ الغَضَبِ، في ساعَةِ المَنشَطِ وفي ساعَةِ المَكرَهِ، في ساعَةِ الغِنى وفي ساعَةِ الفَقرِ، في ساعَةِ الأمنِ وفي ساعَةِ الخَوفِ، في ساعَةِ العَطاءِ وفي ساعَةِ المَنعِ، في خَلوَتِهِ وفي جَلوَتِهِ، في سِرِّهِ وفي علانِيَّتِهِ، لأنَّهُ آمَنَ بِصِدقٍ في هذهِ الرِّسالَةِ، وشَهِدَ اللهُ عزَّ وجلَّ له بذلكَ فقال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾.

كِتابُ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مَلِكَي عُمانَ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُصلِحُ الصَّادِقُ لا يأمُرُ بِخَيرٍ إلا كانَ أوَّلَ آخِذٍ به، وإلا فهوَ غَيرُ صادِقٍ في دَعوَتِهِ، أو مُشَكِّكٌ فيما يَدعو إليهِ، ويُعطي الصُّورَةَ القَبيحَةَ لما يَنتَمي إليهِ، حتَّى يُنَفِّرَ النَّاسَ من هذا الدِّينِ.

أيُّها الإخوة الكرام: جاء في زادِ المعادِ وغيره، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  كَتَبَ إلَى مَلِكَي عُمَانَ كِتَاباً وَبَعَثَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، جاءَ فيه:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله إلَى جَيْفَرَ وَعَبْدٍ ابْنَي الْجُلَنْدَى، سَلَامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنّي أَدْعُوكُمَا بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمَا تَسْلَمَا، فَإِنِّي رَسُولُ الله إلَى النَّاسِ كَافَّةً لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيَّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَإِنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالْإِسْلَامِ وَلَّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرَّا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلُّ بِسَاحَتِكُمَا، وَتَظْهَرُ نُبُوَّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا.

وبعدَ حِوارٍ دارَ بينَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومَلِكَي عُمانَ أسلما.

وجاء في الروض الأنف، عندما أسلَمَ مَلِكُ عُمانَ الْجُلَنْدَى قال: إنَّهُ والله لقَد دَلَّني على هذا النَّبيِّ الأمِّيِّ أنَّهُ لا يَأمُرُ بِخَيرٍ إلا كانَ أوَّلَ مَن أَخَذَ به، ولا يَنهى عن شَيءٍ إلا كانَ أوَّلَ تَارِكٍ له، وأنَّهُ يَغلِبُ فلا يَبطَرُ، ويُغلَبُ فلا يَضجَرُ، وأنَّهُ يَفِي بالعَهدِ، ويُنجِزُ المَوعودَ.

لقد استَدَلَّ مَلِكُ عُمانَ على صِدقِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَحَلِّيهِ بما يَدعو إليهِ، وأنَّ أفعالَهُ لا تُناقِضُ أقوالَهُ، فاستَجابَ لِدَعوَتِهِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: أُمَّتُنا أُمَّةُ دَعوَةِ صَلاحٍ وإصلاحٍ، ولن يَتَحَقَّقَ هذا الأمرُ إلا بِتَطابُقِ الأقوالِ معَ الأفعالِ، فإذا كُنَّا بِصِدقٍ نُريدُ الصَّلاحَ والإصلاحَ تحتَ رايَةِ الإسلامِ فَعَلَينا بالتِزامِ الصَّلاحِ أولاً، ثمَّ دَعوَةِ الآخَرينَ إليهِ، وإلا فَلنَتَّهِم أنفُسَنا بِعَدَمِ صِدقِنا فيما نَدَّعيهِ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَنا من دُعاةِ الخَيرِ، وأن نَكونَ أوَّلَ الآخِذينَ به.  آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 8 /رمضان /1434هـ، الموافق: 17/تموز / 2013م