11 ـ دروس رمضانية: يغربل فيه الناس غربلة

 

 11 ـ دروس رمضانية: يغربل فيه الناس غربلة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: الأمانَةُ إذا اتَّصَفَ بها العَبدُ فهيَ دَليلٌ على كَمالِ إيمانِهِ، وحُسنِ إسلامِهِ، لأنَّها مِحوَرُ الدِّينِ، وهيَ اختِبارٌ وامتِحانٌ من ربِّ العالَمينَ.

بالأمانَةِ يُحفَظُ الدِّينُ، وتُحفَظُ الأعراضُ، والأموالُ، والأجسامُ، والأرواحُ، والعُلومُ، وحُقوقُ الله تعالى، وحُقوقُ العِبادِ.

والأمينُ مَحبوبٌ عِندَ الله تعالى، وعِندَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومَحبوبٌ عِندَ النَّاسِ جميعاً.

وصِفَةُ الأمانَةِ من أعظَمِ الصِّفاتِ الخُلُقِيَّةِ التي وَصَفَ اللهُ تعالى بها عِبادَهُ المُؤمِنينَ المُفلِحينَ، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون﴾. وعَدَّ من صِفاتِهِم: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون﴾.

لذلكَ أمَرَ اللهُ تعالى بأداءِ الأماناتِ لأصحابِها، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾.

الأمانَةُ صِفَةُ المُؤمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: صِفَةُ المُؤمِنِ الأمانَةُ، فهوَ أمينٌ، ولا يَعرِفُ الخِيانَةَ حتَّى معَ من خانَهُ، وذلكَ لِتَوجيهِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ الْمَكِّيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَن ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».

وما ذاكَ إلا لأنَّ صِفَةَ الخِيانَةِ هيَ من صِفَةِ المُنافِقِ.

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

«يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً»:

أيُّها الإخوة الكرام: الدِّينُ بَدَأ غريباً وسَيَعودُ غَريباً كما بَدَأ، فَطُوبى للغُرَباءِ، فالقِلَّةُ القَليلَةُ من النَّاسِ هيَ التي تُحافِظُ على خُلُقِ الأمانَةِ، وخاصَّةً في وَقتِ الأزَماتِ، وقد حَذَّرَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ من زَمَنٍ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، روى ابن ماجه وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً ـ أي: يَذهَبُ خِيارُهُم ويَبقى شِرارُهُم ـ وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِن النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ـ أي: اختَلَطَت وفَسَدَت ـ فَاخْتَلَفُوا وَكَانُوا هَكَذَا» ـ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ـ.

قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ الله إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟

قَالَ: «تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَوَامِّكُمْ».

الخِيانَةُ سَبَبُ هَلاكِ الأمَّةِ ونُزولِ البَلاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام:  الخِيانَةُ سَبَبٌ لِهَلاكِ الأمَّةِ ولِنُزولِ البَلاءِ، وهذا ما حَدَّثَنا به سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في سنن الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً، حَلَّ بِهَا الْبَلاءُ».

فَقِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلاً، وَالأَمَانَةُ مَغْنَماً، وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وَجَفَا أَبَاهُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ، وَاتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحاً حَمْرَاءَ، أَوْ خَسْفاً، وَمَسْخاً».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: القابِضُ على دِينِهِ كالقابِضِ على جَمرٍ، وخاصَّةٍ في زَمَنٍ كَثُرَت فيه الخِيانَةُ، وقَلَّتِ الأمانَةُ؛ والسَّعيدُ من لم يَغتَرَّ بِكَثرَةِ الهالِكينَ.

اللَّهُمَّ لا تَحرِمنا نِعمَةَ الأمانَةِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 11 /رمضان /1434هـ، الموافق: 20/تموز / 2013م