12ـ دروس رمضانية: إذا أردت أن لا ينصب لك ميزان يوم القيامة

 

 12ـ دروس رمضانية: إذا أردت أن لا ينصب لك ميزان يوم القيامة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ذَكَرَ اللهُ تعالى الصَّبرَ في كِتابِهِ العَظيمِ في أكثَرَ من تِسعينَ مَوضِعاً، وقَرَنَهُ بالصَّلاةِ في قَولِهِ تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾. وجَعَلَ الإمامَةَ في الدِّينِ مَوروثَةً عن الصَّبرِ واليَقينِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون﴾.

والصَّبرُ إذا لم يَكُن فيهِ جَزَعٌ ولا شَكوى فهوَ الصَّبرُ الجَميلُ، كما قالَ تعالى على لِسانِ سيِّدِنا يَعقوبَ عليهِ السَّلامُ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون﴾. ولن يَتَحَقَّقَ هذا الأمرُ إلا بالصَّبرِ والمُصابَرَةِ.

الصَّابِرونَ فازوا بِعِزِّ الدَّارَينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الصَّابِرونَ فازوا بِعِزِّ الدَّارَينِ، لأنَّهُم نالوا من الله مَعِيَّتَهُ، فإنَّ اللهَ معَ الصَّابِرينَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾. هذا أولاً.

ثانياً: لأنَّهُم نالوا حِفظَ الله تعالى لهُم من كَيدِ الكائِدينَ، مَهما بَلَغَ كَيدُهُم، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال﴾. ثمَّ قالَ: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط﴾.

ثالثاً: لأنَّهُم نالوا عُقبى الدَّارِ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾.

رابعاً: لأنَّهُم نالوا التَّمكينَ في الأرضِ، قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون﴾.

خامساً: لأنَّ أجرَهُم بِغَيرِ حسابٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾.

سادساً: لأنَّ اللهَ تعالى جَزاهُم على صَبرِهِم جنَّةً وحَريراً، قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾.

من ثِمارِ الصَّبرِ في الأحاديثِ الشَّريفَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَلَّمَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ ثِمارَ الصَّبرِ، منها:

أولاً: إذا أرَدتَ أن تُكتَبَ عِندَ الله شاكِراً صابِراً: اِسمَعِ الحَديثَ الشَّريفَ الذي رواه الترمذي عن عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللهُ شَاكِراً صَابِراً، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ شَاكِراً وَلَا صَابِراً، مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ، كَتَبَهُ اللهُ شَاكِراً صَابِراً، وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ شَاكِراً وَلَا صَابِراً».

ثانياً: إذا أرَدتَ أن يُؤتِيَكَ اللهُ خَيرَ الدُّنيا والآخِرَةِ: اِسمَعِ الحَديثَ الشَّريفَ الذي رواه ابن أبي شَيبةَ عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: أربَعٌ مَن أوتِيَهُنَّ أوتِيَ خَيرَ الدُّنيا والآخِرَةِ، مَن أوتِيَ لِساناً ذَاكِراً، وقَلباً شَاكِراً، وجَسَداً على البَلاءِ صَابِراً، وزَوجاً مُؤمِنَةً لا تَبغيهِ في نَفسِها خَوناً.

ثالثاً: إذا أرَدتَ أن لا يُنصَبَ لكَ مِيزانٌ يومَ القِيامَةِ: اِسمَعِ الحَديثَ الشَّريفَ الذي رواه الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُؤْتَى بِالشَّهِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، وَيُؤْتَى بِالْمُتَصَدِّقِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلاءِ وَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الأَجْرُ صَبَّاً، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ فِي الْمَوْقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِ الله لَهُمْ».

وفي رواية الترمذي عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: عَلَينا بالصَّبرِ على الطَّاعاتِ، وبالصَّبرِ عن المَعاصي والمُخالَفاتِ، وبالصَّبرِ على الابتِلاءاتِ، سائِلينَ المولى عزَّ وجلَّ أن يَجعَلَنا من الشَّاكِرينَ عِندَ الرَّخاءِ، ومن الصَّابِرينَ عِندَ البَلاءِ، ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضاءِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 12/رمضان /1434هـ، الموافق: 21/تموز / 2013م