13ـ دروس رمضانية: ما خار الله لي ورسوله

 

 13ـ دروس رمضانية: ما خار الله لي ورسوله

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: من فَضْلِ الله تعالى أنَّ المُصيبَةَ تَنزِلُ دُفعَةً واحِدَةً، ثمَّ تَتَلاشى شيئاً فَشيئاً، ولذلكَ يَجِبُ على المُؤمِنِ أن يَتَحَلَّى بِخُلُقِ الصَّبرِ عِندَ الصَّدمَةِ الأولى.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي».

قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ.

فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ.

فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ.

فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى».

مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَثُرَ المَوتُ في النَّاسِ، فماذا يَفعَلُ الإنسانُ؟ خَيرُ جَوابٍ على هذا السُّؤالِ ما رواه أبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ .

قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟».

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ قَالَ: مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ.

قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ».

البيتُ: القَبرُ، والوَصيفُ: العَبدُ.

والمعنى: كيفَ يَكونُ حالُكَ إذا كَثُرَ المَوتُ، حتَّى يَصيرَ مَوضِعُ قَبرٍ يُشتَرى بِعَبدٍ؟

اِصبِر على أذى النَّاسِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا تَنسَوا قَولَ الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾. فالإنسانُ مُبتَلى بأخيهِ الإنسانِ، وخَيرُهُما هوَ الأصبَرُ على أذى صاحِبِهِ، وخاصَّةً إذا كانَ قَريباً لهُ.

روى الإمام أحمد عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُم أَعْظَمُ أَجْراً مِن الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». قَالَ حَجَّاجٌ: «خَيْرٌ مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِن الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

إن صَبَرتَ فأنتَ بِخَيرٍ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: إن صَبَرتَ على المُصيبَةِ فأنتَ بِخَيرٍ إن شاءَ اللهُ تعالى، إمَّا أن يُعَوِّضَكَ اللهُ خَيراً مِمَّا أخَذَ منكَ في الدُّنيا، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا».

قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْراً مِنْهُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وإمَّا أن يُعَوِّضَكَ في الآخِرَةِ، وذلك بِبِناءِ بَيتٍ لكَ في الجَنَّةِ، يُسَمَّى بَيتَ الحَمدِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ.

فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».

فأيُّهُما أحَبُّ إليكَ، التَّعجيلُ في الدُّنيا، أم التَّأخيرُ للآخِرَةِ؟

والخَيرُ لكَ أن تَترُكَ اختِيارَكَ لاختِيارِ الله تعالى لكَ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: الابتِلاءُ مُحَقَّقٌ ولا بُدَّ منهُ، وقد أقسَمَ اللهُ تعالى بِقَولِهِ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾.

فإمَّا أن تَصبِرَ وتَرضى وهذا خَيرٌ لكَ، وإمَّا أن لا تَصبِرَ ولا تَرضى وتَسخَطَ وهذا شَرٌّ لكَ، والعاقِلُ من كانَ راضِياً وإلا فَصابِراً.

اللَّهُمَّ اجعَلنا من الرَّاضينَ بِمُرِّ القَضاءِ وحُلوِهِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 13/رمضان /1434هـ، الموافق: 22/تموز / 2013م