10 ـ دروس رمضانية: الخائن مَقيتٌ مَمقوتٌ منزوع الرحمة

 

 10 ـ دروس رمضانية: الخائن مَقيتٌ مَمقوتٌ منزوع الرحمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ بِفِطرَتِهِ يُحِبُّ أن يُحمَدَ بِصِفاتِ الكَمالِ، ومن صِفاتِ الكَمالِ التي يَعرِفُها الإنسانُ صِفَةُ الأمانَةِ، ومعَ ذلكَ جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَأمُرَ النَّاسَ بالأمانَةِ التي هيَ من فِطرَتِهِم التي فُطِروا عليها، جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري، عِندَما التَقى أبو سُفيانَ قَبلَ إسلامِهِ معَ قَيصَرِ الرُّومِ، سألَ قَيصَرُ الرُّومِ أبا سُفيانَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟

قَالَ أبو سُفيانَ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ.

من نُزِعَت منهُ الأمانَةُ هَلَكَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من نُزِعَت منهُ الأمانَةُ عَرَّضَ نَفسَهُ لِسَخَطِ الله تعالى ولِهَلاكِهِ، ولِمَقتِ النَّاسِ لهُ، وصَبِّ اللَّعنَةِ عليهِ.

روى ابن ماجه عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْداً نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتاً مُمَقَّتاً، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتاً مُمَقَّتاً نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِناً مُخَوَّناً، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِناً مُخَوَّناً نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيماً مُلَعَّناً، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيماً مُلَعَّناً نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ».

ربقةُ الإسلامِ تعني: طوقُ الإسلامِ.

أيُّها الإخوة الكرام: الخائِنُ مَقيتٌ مَمْقوتٌ مَنزوعُ الرَّحمَةِ رَجيمٌ مَلعونٌ والعِياذُ بالله تعالى.

هذا الخائِنُ خَسِرَ الدُّنيا والآخِرَةَ بِسَبَبِ عَرَضٍ من الدُّنيا قَليلٍ.

المُؤمِنُ من أمِنَهُ النَّاسُ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُؤمِنُ الكامِلُ هوَ من آمَنَ بالله ورَسولِهِ، وأمِنَهُ النَّاسُ على دِمائِهِم وأموالِهِم، ولا يَطمَعُ بما في أيدي النَّاسِ.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ، الَّذِينَ آمَنُوا بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله، وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لله عَزَّ وَجَلَّ».

أوَّلُ ما يُرفَعُ من الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: أوَّلُ ما يُرفَعُ من الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، وهذا علامَةٌ من علاماتِ قِيامِ السَّاعَةِ، لأنَّ السَّاعَةَ لا تَقومُ إلا على شِرارِ النَّاسِ، وشَرُّ النَّاسِ من فَقَدَ الحَياءَ والأمانَةَ.

روى البيهقي عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أوَّلَ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، فَسَلوهُما اللهَ عزَّ وجلَّ».

وفي رواية لأبي يعلى عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أوَّلُ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، وآخِرُ ما يَبقى منها الصَّلاةَ، وقد يُصَلِّي قَومٌ لا خَلاقَ لهُم».

المُصلِحُ مُلتَزِمٌ الصَّلاحَ قَبلَ الأمرِ به:

أيُّها الإخوة الكرام: المُصلِحُ قَبلَ أن يَدعُوَ النَّاسَ إلى الصَّلاحِ يَكونُ مُلتَزِماً بالصَّلاحِ الذي يَدعو النَّاسَ إليهِ، وهذا ما كانَ عليهِ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام أحمد من حديثِ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ معَ النَّجاشِيِّ.

قال لهُ جَعفَرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ.

فَدَعَانَا إِلَى الله لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِن الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَن الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَن الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: السَّعيدُ من اتَّصَفَ بِصِفاتِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي من صِفاتِهِ الأمانَةُ، التي اتَّصَفَ بها قَبلَ الرِّسالَةِ، وبَعدَ الرِّسالَةِ هيَ صِفَتُهُ من بابِ أَولى.

والشَّقِيُّ من نُزِعَت منهُ صِفَةُ الأمانَةِ واتَّصَفَ بِضِدِّها التي هيَ الخِيانَةُ، ومن خانَ اللهَ تعالى في تَضييعِ أمانَةِ التَّكليفِ، فهوَ من بابِ أَولى وأَولى أن يَخونَ النَّاسَ في دِمائِهِم وأموالِهِم.

أسألُ اللهَ تعالى أن لا يَحرِمَنا صِفَةَ ونِعمَةِ الأمانَةِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 10 /رمضان /1434هـ، الموافق: 19/تموز / 2013م