14ـ دروس رمضانية: فإنهن من كنز تحت العرش

 

 14ـ دروس رمضانية: فإنهن من كنز تحت العرش

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: علاقَةُ الإنسانِ بِرَبِّهِ لا يُمكِنُ أن تُقبَلَ إلا إذا كانَت قائِمَةً على أساسِ المَحَبَّةِ، وكذلكَ علاقَةُ الإنسانِ معَ أخيهِ الإنسانِ لا تَستَقيمُ إلا إذا كانَت قائِمَةً على أساسٍ من المَحَبَّةِ، حتَّى الدَّعوَةَ إلى الإسلامِ لا يُمكِنُ أن تَتِمَّ إلا إذا أحَبَّ الدَّاعي المَدعُوَّ، وأحَبَّ المَدعُوُّ الدَّاعي، وإلا كيفَ يَستَطيعُ الدَّاعي أن يَدعُوَ من يَكرَهُ ويُبغِضُ؟ وكيفَ يَستَطيعُ المَدعُوُّ أن يَتَقَبَّلَ دَعوَةَ من يَكرَهُ ويُبغِضُ؟

ورَحِمَ اللهُ تعالى شاعِرَ الإسلامِ محمَّد إقبال، الذي كانَ يَقولُ:

أستَغفِرُ اللهَ، هل للدِّينِ من قِيَمٍ   ***   بِغَيرِ حُبٍّ، وهل للشَّعبِ من قِيَمِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنطَلَقِ بَلَغَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَقامَ الأسمى في الحُبِّ، إن كانَ لله تعالى، وإن كانَ للنَّاسِ جميعاً، وبالمُقابِلِ هوَ أعظَمُ مَحبوبٍ عِندَ الله تعالى، وأعظَمُ مَحبوبٍ عِندَ العُقَلاءِ من النَّاسِ، فَضْلاً عن المؤمنينَ.

دَعوَةُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إلى الحُبِّ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد دَعا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى الحُبِّ بِصُوَرٍ شَتَّى، من هذهِ الأحاديثِ الشَّريفَةِ:

ما رواه البيهقي عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رأسُ العقلِ بعدَ الدِّينِ التَّوَدُّدُ إلى النَّاسِ، واصطِناعُ الخَيرِ إلى كُلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ».

وما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَبَّ عَبْدٌ عَبْداً لله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَكْرَمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ».

وما رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَاناً فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ.

ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَاناً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ.

قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ.

وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَاناً فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ.

ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَاناً فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ.

ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».

وما رواه الترمذي عَن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ».

وفي رواية الإمام أحمد عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لله».

وفي رواية الحارث عن أبي حَميدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «أدِّ ـ وفي رواية: أبدِ ـ الموَدَّةَ لمن وَادَّك، فإنَّها أثبَتُ».

وما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ:

أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ.

وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي.

وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ.

وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً.

وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرَّاً.

وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي الله لَوْمَةَ لَائِمٍ.

وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله.

فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: بالمَحَبَّةِ يُدرِكُ الإنسانُ أقواماً لا يُمكِنُ إدراكُهُم إلا بها، فقد جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».

وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»

قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ.

قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».

اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ حُبَّكَ وحُبَّ من يَنفَعُنا حُبُّهُ عِندَكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 14/رمضان /1434هـ، الموافق: 23/تموز / 2013م