15ـ دروس رمضانية: الأفضل الأشد حباً

 

 15ـ دروس رمضانية: الأفضل الأشد حباً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: لن يَكونَ المُجتَمَعُ الإيمانِيُّ مُتَماسِكاً إلا إذا بَنَى عَلاقَتَهُ على أساسٍ من الحُبِّ لله تعالى، ولن يَتَحَقَّقَ هذا إلا عِندَ المؤمنينَ الذينَ ذاقوا حَلاوَةَ الإيمانِ.

روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».

ولا يَكمُلُ إيمانُ العَبدِ المؤمنِ إلا إذا أحَبَّ المؤمنينَ، وذلكَ لما رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

والعَجيبُ أن تَرى من يَدَّعي الإيمانَ يَحمِلُ في جَنَباتِهِ بُغضاً للمؤمنينَ، معَ أنَّهُ يَعلَمُ هذا الحديثَ الشَّريفَ الذي قال فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» فكيفَ يَجتَمِعُ الإيمانُ والبُغضُ للمؤمنِ في قَلبٍ واحِدٍ؟

كيفَ يُبغِضُ المؤمنُ أخاهُ المؤمنَ الذي آمَنَ بالله وبِرَسولِهِ وباليَومِ الآخِرِ؟

كيفَ يُبغِضُ المؤمنُ أخاهُ المؤمنَ، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»؟ رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

نعم أيُّها الإخوة: يَجِبُ على المؤمنِ أن يُحِبَّ المؤمنينَ ولو وَقَعوا في الخَطَأ، وَوَقَعوا في الإساءَةِ، لأنَّهُ بالحُبِّ لهُم يَستَطيعُ أن يُقَدِّمَ لهُم النُّصحَ ويُطَبِّقَ قَولَ الله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبْر﴾.

الأفضَلُ الأشَدُّ حُبَّاً:

أيُّها الإخوة الكرام: وَرَدَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَحَابَّ رَجُلاَنِ في الله تعالى إِلاَّ كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبَّاً لِصَاحِبِهِ».

ومِمَّا لا شَكَّ فيهِ أنَّ المُحِبَّ يَكونُ حَريصاً على مَحبُوبِهِ أن يُنقِذَهُ من المُخالَفاتِ، وكُلَّما عَظُمَ الحُبُّ عَظُمَ الحِرصُ على إنقاذِهِ، ويَنطَبِقُ عليه قَولُهُ تعالى: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾. ولولا الحُبُّ من يأتي الحِرصُ؟

إذا أحبَبتَ المؤمنَ أحَبَّكَ اللهُ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مَحَبَّةَ المؤمنِ لأخيهِ المؤمنِ جاءَت من إيمانِ من تُحِبُّ بالذي آمَنتَ به، فلولا إيمانُهُ ما أَحبَبتَهُ، وعِندَما أحبَبتَهُ لأنَّهُ آمَنَ بالله تعالى، وأحبَبتَهُ من أجلِ من آمَنتَ به، جازاكَ اللهُ تعالى على هذا الحُبِّ بِحُبٍّ منهُ جلَّ وعَلَا.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟

قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ.

قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ ـ تُراعيها وتَحفَظُها ـ

قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي الله عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ».

أما يَكفي هذا الحديثُ تَرغيباً في أن يُحِبَّ المؤمنونَ بَعضُهُم بعضاً؟!

المُتَحابُّونَ في ظِلِّ الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: الدُّنيا فانِيَةٌ، والسَّعيدُ من وُفِّقَ لِمَحَبَّةِ الُمؤمنينَ في الله تعالى، لأنَّ هذا يَنفَعُ في دَارِ البَقاءِ، ويَجعَلُ هؤلاءِ المُتَحابِّينَ في ظِلِّ الله تعالى، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وعَدَّ منهُم: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِيَكُن كُلُّ واحِدٍ منَّا حَريصاً على مَحَبَّةِ المؤمنينَ، ولو أساءَ بعضُهُم إليهِ، لأنَّهُ من المُستَحيلِ أن تَصحَبَ مَعصوماً لا إساءَةَ لهُ، ولأنَّهُ لا عِصمَةَ لأحَدٍ بعدَ الأنبِياءِ.

اللَّهُمَّ ارزُقنا مَحَبَّةَ المؤمنينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 15/رمضان /1434هـ، الموافق: 24/تموز / 2013م