16ـ دروس رمضانية: لا تتوهم بقول: أنا أحبك في الله

 

 16ـ دروس رمضانية: لا تتوهم بقول: أنا أحبك في الله

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: أقصى أماني العَبدِ المؤمنِ دُخولُ الجَنَّةِ، لأنَّها مَحَلُّ رِضا الله تعالى، وهذهِ الجَنَّةُ هيَ سِلعَةُ الله الغالِيَةُ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله الْجَنَّةُ».

ومن أثمانِ هذهِ الجَنَّةِ أن تُحِبَّ المؤمنينَ في الله تعالى، فإذا أحبَبتَ في الله، وحَقَّقتَ شُروطَ هذهِ المَحَبَّةِ، ـ والتي من جُملَتِها الاجتِماعُ معَ من تُحِبُّ على طاعَةِ الله تعالى، والتَّفَرُّقُ على طاعَةِ الله تعالى ـ أكرَمَكَ اللهُ تعالى بِمَنزِلٍ في الجَنَّةِ يَغبِطُكَ عليهِ الأنبِياءُ والمُرسَلونَ عليهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ.

روى أبو داود عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله لَأُنَاساً مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُم الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِن اللَّهِ تَعَالَى»

قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟

قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَالله إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وفي رواية الإمام أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «الْمُتَحَابُّونَ فِي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، يَغْبِطُهُم بِمَكَانِهِم النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ».

«الآنَ يا عُمَرُ»:

أيُّها الإخوة الكرام: الحَياةُ الدُّنيا لا تَستَقيمُ إلا بالحُبِّ، والآخِرَةُ لن نَصِلَ إليها بأمانٍ إلا بالحُبِّ، في الحَياةِ الدُّنيا لو أحبَبتَ الأعراضَ هذا لا يَضُرُّكَ، ولكن بِشَرطِ أن يَكونَ حُبُّ الله ورَسولِهِ أعظَمَ.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين﴾.

لماذا يَجِبُ أن يَكونَ حُبُّ الله أعظَمَ؟ لأنَّهُ مَصدَرُ جَميعِ النِّعَمِ، فمن أحَبَّ النِّعَمَ أكثَرَ من المنعِمِ فقد خانَ المنعِمَ.

وكذلكَ يَجِبُ أن يَكونَ حُبُّ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعظَمَ من مَحَبَّةِ جَميعِ المَخلوقاتِ حتَّى من نَفسِ المُحِبِّ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَولى بالمَحبوبِ من نَفسِهِ، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾.

وروى الإمام البخاري عن عَبْد الله بْن هِشَامٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ».

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ والله لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ يَا عُمَرُ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: دَرِّبوا أنفُسَكُم على الحُبِّ في الله، وذلكَ بِرَفعِ الهِمَّةِ ومُجاهَدَةِ النَّفسِ، وبأن لا يَكونَ لِقاؤُكُم معَ إخوانِكُم إلا على طاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، إلا على الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، إلا على ذِكرِ الله تعالى، والصَّلاةِ والسَّلامِ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ولا تَتَوَهَّموا بالقَولِ لِبَعضِكُمُ البَعضِ: أنا أحِبُّكَ في الله، فالمَحَبَّةُ في الله تعالى تعني الاجتِماعَ على الطَّاعَةِ، والتَّفَرُّقَ على الطَّاعَةِ، أمَّا إذا كانَ الاجتِماعُ على المَعصِيَةِ، والتَّفَرُّقُ على المَعصِيَةِ، فهذا حُبٌّ لِحَظٍّ من حُظوظِ النَّفسِ، وسوفَ يَنقَلِبُ هذا الاجتِماعُ وتِلكَ الخُلَّةُ إلى عَداوَةٍ يومَ القِيامَةِ، قال تعالى: ﴿الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِين﴾.

اللَّهُمَّ اجعَل حُبَّكَ وحُبَّ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أحَبَّ إلى قُلوبِنا من سائِرِ المَخلوقاتِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/رمضان /1434هـ، الموافق: 25/تموز / 2013م