17ـ دروس رمضانية: كيف كان حبكم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

 

 17ـ دروس رمضانية: كيف كان حبكم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد دَعانا اللهُ تعالى إلى مَحَبَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأن يَكونَ حُبُّهُ إلى قُلوبِنا أحَبَّ إلينا من كُلِّ شيءٍ، حتَّى من أنفُسِنا.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين﴾.

وكذلكَ دَعَانا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مَحَبَّتِهِ، وأن يَكونَ هذا الحُبُّ أعظَمَ من كُلِّ شيءٍ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

كيفَ كانَ حُبُّكُم لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أيُّها الإخوة الكرام: أعظَمُ صُورَةٍ واقِعِيَّةٍ لمن تَحَقَّقَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وأجلى مَظهَرٍ ظَهَرَت فيه تِلكَ الحَقيقَةُ هُم أصحابُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هذا سيِّدُنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُسألُ: كيفَ كانَ حُبُّكُم لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فقال: كَانَ أحَبَّ إلينا من أَموالِنا وأَولادِنا، وآبائنا وأمَّهاتِنا، وأَحَبَّ إلينا من المَاءِ البَارِدِ على الظَّمَأ.

نَعَم، لَقَد بَذَلوا نُفوسَهُم في سَبيلِ مَحَبَّتِهِ، وقَدَّموهُ على أنفُسِهِمُ الطَّاهِرَةِ، فَهُم كما أمَرَ اللهُ تعالى وشَرَعَ لهُم بِقَولِهِ: ﴿وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾. لقد كَانَت رَغبَتُهُم بِنَفسِهِ هيَ المُقَدَّمَةَ على رَغبَتِهِم بأنفُسِهِم، وكانَ حُبُّهُم لِذاتِهِ الشَّريفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعظَمَ من حُبِّهِم لأنفُسِهِمُ الكِرامِ.

ما رأيتُ أحَداً يُحِبُّ أحَداً كَحُبِّ أصحابِ محمَّدٍ محمَّداً:

أيُّها الإخوة الكرام: جاءَ في طَبقاتِ ابن سعدٍ أنَّ زَيد بن الدَّثِنَّةِ رَضِيَ اللهُ عنهُ ابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ; لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، فَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلى لَهُ يُقَالُ لَهُ: نِسْطَاسٌ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلَهُ، وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّداً عِنْدَنَا الْآنَ مَكَانَكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟

قَالَ: والله مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّداً الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي.

يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَداً يُحِبُّ أَحَداً كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّداً.

كُلُّ مُصيبَةٍ بَعدَكَ جَلَلٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: وصُورَةٌ ثانِيَةٌ من صُوَرِ صِدقِ المَحَبَّةِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ما رواه البيهقي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كانِتِ امرأةٌ من الأنصارِ من بَني ذبيانَ فُقِدَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَلَمَّا نُعوْا لَهَا قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالُوا: خَيْراً يَا أَمَّ فُلَانٍ.

قَالَتْ: أَرَوْنِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ.

قَالَ: فأشاروا  لَهَا إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: تَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.

وليَسألْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نَفسَهُ هل هوَ مُتَّبِعٌ للسَّلَفِ الصَّالِحِ في حُبِّهِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أم لا؟

أسألُ اللهَ تعالى أن يَرزُقَنا أن نَسيرَ سَيرَهُم ظاهِراً وباطِناً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 17/رمضان /1434هـ، الموافق: 26/تموز / 2013م