19 ـ دروس رمضانية: إذا رأيتك طابت نفسي

 

 19 ـ دروس رمضانية: إذا رأيتك طابت نفسي

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أوجَبَ اللهُ تعالى ورسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الأمَّةِ أن تَكونَ مَحَبَّةُ الله تعالى ومَحَبَّةُ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقَدَّمَةً على جَميعِ المَخلوقاتِ، وقد حَذَّرَ اللهُ تعالى من تَقديمِ مَحَبَّةِ أيِّ شيءٍ عليهِما، وإن سَمَا وارتَفَعَ.

ومن كانَت مَحَبَّةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمَةً عِندَهُ على مَحَبَّةِ ما سِواهُ من المَخلوقاتِ مهما كانوا مُقَرَّبينَ ـ حَقيقَةً لا عَقلاً ـ تَذَوَّقَ حَلاوَةَ الإيمانِ، وذاقَ طَعمَهُ.

تَكَفَّلَ اللهُ تعالى بِحِفظِ نَبِيِّهِ وعِصمَتِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من سَعادَةِ العَبدِ أن يُحِبَّ هذا الحَبيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكيفَ لا يَكونُ مُحِبُّهُ سَعيداً وقد تَكَفَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِحِفظِ نَبِيِّهِ الكَريمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وعِصمَتِهِ من النَّاسِ، بحيثُ لا يَصِلونَ إليهِ، وسَخَّرَ اللهُ ملائِكَةً لِحِفظِهِ والدِّفاعِ عنهُ.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. وقد بَلَّغَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وشَهِدَ له ربُّهُ بالبَلاغِ، وحَقَّقَ اللهُ تعالى لهُ الحِفظَ والعِصمَةَ من النَّاسِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟

قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ.

قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ.

قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ.

قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟

فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقاً مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْواً عُضْواً».

فبِالله عليكُم، أليسَ من سَعادَةِ العَبدِ أن يُحِبَّ هذا الحَبيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  الذي أحَبَّهُ اللهُ تعالى؟ والذي سَعِدَ حَقَّاً بِحُبِّهِ هُم أصحابُهُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، ومن سارَ على هَديهِم ونَهجِهِم.

ما غَيَّرَ لَونَكَ؟

أيُّها الإخوة الكرام: من فَرطِ حُبِّ الصَّحابَةِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّ الواحِدَ منهُم كانَ يُفَكِّرُ في مَصيرِهِ يومَ القِيامَةِ، حتَّى ولو دَخَلَ الجَنَّةَ، كيفَ يَستَطيعُ العَيشَ بدونِ رُؤيَةِ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام البغوي في قَولِ الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً﴾. قال: نَزَلَتْ في ثَوبانَ مَولى رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكانَ شَديدَ الحُبِّ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَليلَ الصَّبرِ عنهُ، فأتاهُ ذاتَ يومٍ وقد تَغَيَّرَ لَونُهُ، يُعرَفُ الحُزنُ في وجهِهِ.

فقال له رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ما غَيَّرَ لَونَكَ؟»

فقال: يا رسولَ الله، ما بي مَرَضٌ ولا وَجَعٌ، غَيرَ أنِّي إذا لم أرَكَ اسْتَوْحَشْتُ وَحشَةً شَديدَةً حتَّى ألقاكَ، ثمَّ ذَكَرتُ الآخِرَةَ فأخافُ أن لا أراكَ، لأنَّكَ تُرفَعُ معَ النَّبيِّينَ، وإنِّي إن دَخَلتُ الجَنَّةَ كُنتُ في مَنزِلَةٍ أدنى من مَنزِلَتِكَ، وإن لم أدخُلِ الجَنَّةَ لا أراكَ أبداً. فَنَزَلَت تلكَ الآيَةُ.

إذا رأيتُكَ طابَت نَفسي:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَ الصَّحبُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم لا تَطيبُ نُفوسُهُم، ولا تَقَرُّ أعيُنُهثم، إلا بِمُشاهَدَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبَّاً فيهِ، وإيماناً به.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ.

فَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ».

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.

قَالَ: «أَفْشِ السَّلَامَ، وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ، وَصِل الْأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: السَّعيدُ منَّا من خَرَجَ من الدُّنيا بِصِدقِ المَحَبَّةِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لنَّ صِدقَ مَحَبَّتِهِ تُسعِدُنا دُنيا وأُخرى.

والعاقِلُ هوَ من اتَّعَظَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾.

اللَّهُمَّ اجعَل سَبيلَنا في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا على سَبيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظاهِراً وباطِناً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 19 /رمضان /1434هـ، الموافق: 28 /تموز / 2013م