20 ـ دروس رمضانية: أسألك مرافقة نبيك في أعلى درجة الجنة

 

 20 ـ دروس رمضانية: أسألك مرافقة نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أعلى درجة الجنة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: قالوا: كُلُّ مُحِبٍّ مُتَّبِعٌ على قَدْرِ الاستِطاعَةِ، فإن عَجَزَ عن الاتِّباعِ لِعُذرٍ من الأعذارِ تَوَلَّى وعَينُهُ تَفيضُ من الدَّمعِ، ومن كانَ مُحِبَّاً مُتَّبِعاً قلا شَكَّ أنَّهُ سَيَكونُ داعِياً اللهَ تعالى في أن يَحشُرَهُ معَ مَحبوبِهِ الذي اتَّبَعَهُ في الدُّنيا.

وأصدَقُ المُحِبِّينَ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُم أصحابُهُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وأكمَلُ المُتَّبِعينَ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُم أصحابُهُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وكانوا يَسألونَ اللهَ تعالى مُرافَقَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أعلى دَرجَةِ جَنَّةِ الخُلدِ.

ولا شَكَّ أنَّ دُعاءَهُم كانَ دُعاءَ الصَّادِقينَ، فقد سَلَكوا الطَّريقَ الموصولَةَ إلى ما يَسألونَ اللهَ تعالى عنهُ، سَلَكوا طَريقَ أهلِ الجَنَّةِ وسَألوهُ الجَنَّةَ، سَلَكوا نَهجَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وسَألوا اللهَ تعالى مُرافَقَتَهُ في الجَنَّةِ.

«سَل تُعطَه»:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ.

فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ، فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»

أيُّها الإخوة الكرام: تَصَوَّروا أنفُسَكُم هل بإمكان الواحِدِ منَّا أن يَقرَأ القُرآنَ العَظيمَ أمامَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

في أيِّ أمرٍ قَضَينا هذا العُمُرَ؟ كُلُّ واحِدٍ منَّا بَلَغَ من العُمُرِ ما بَلَغَ، ولكن إلى الآنَ لا يُتقِنُ قِراءَةَ القُرآنِ العَظيمِ بِحيثُ يُطَبِّقُ قَولَهُ تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى هذا الشَّرَفِ العَظيمِ لابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ عِندَما نالَ هذهِ الشَّهادَةَ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ».

ما هيَ الشَّهاداتُ التي يَحمِلُها الواحِدُ منَّا؟ هل هذهِ الشَّهاداتُ تَنفَعُ صاحِبَها يومَ القِيامَةِ، كما تَنفَعُ شَهادَةُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لابنِ مَسعودٍ؟

أيُّها الإخوة الكرام: يُتابِعُ الفاروقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ حديثَهُ فَيَقولُ: ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ».

لماذا لا يُستَجابُ دُعاؤُهُ وهوَ الذي استَجابَ لأمرِ الله تعالى؟ ألم يَقُل مولانا عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون﴾.

مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى حُبِّ الصَّحابَةِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم لِبَعضِهِمُ البَعضِ، عِندَما سَمِعَ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لابنِ مَسعودٍ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ». قال: قُلْتُ: والله لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُبَشِّرَنَّهُ.

قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَبَشَّرَهُ، وَلَا والله مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ.

هل عِندَنا هذا الحُبُّ لِبَعضِنا البَعضِ؟

أسألُكَ مُرافَقَةَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مُحِبٌّ ومُتَّبِعٌ، وكانَ يَسألُ اللهَ تعالى مُرافَقَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أعلى دَرَجَةِ الجَنَّةِ، جَنَّةِ الخُلدِ.

روى الإمام أحمد أنَّهُ عِندَما قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا بن مَسعودٍ : «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ». غَدَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ لِيُبَشِّرَهُ وَقَالَ لَهُ: مَا سَأَلْتَ اللهَ الْبَارِحَةَ؟

قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَاناً لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيماً لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ.

وفي رواية أبي نُعَيم قال: بينَما أنا أصلِّي ذاتَ لَيلَةٍ، إذ مَرَّ بيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأبو بكرٍ وعُمَرَ.

فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعطَهْ».

قال عُمَرُ: فاستَبقتُ أنا وأبو بكرٍ، وما سابقتُ أبا بكرٍ إلى خَيرٍ، إلا وَجَدتُهُ قد سَبَقَني إليه.

ثمَّ انطلَقتُ، فقال: إنَّ لي دُعاءً ما أكادُ أن أدَعَهُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ إيماناً لا يَرتَدُّ ـ أو قال: لا يَبيدُ ـ وقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ، ومُرافَقَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أعلى جَنَّةِ الخُلدِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِيَسألْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نَفسَهُ: هل أنا مُحِبٌّ؟ هل أنا مُتَّبِعٌ لِمَحبوبي؟ هل أسألُ اللهَ تعالى أن يَجمَعَني معَ مَحبُوبي؟ ثمَّ ليَسألْ نَفسَهُ: من هوَ مَحبُوبي؟

أصحابُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فازوا بِمَحَبَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وفَازُوا بالاتِّباعِ، وهُم فَائِزونَ إن شاءَ اللهُ تعالى بالمَعِيَّةِ.

أسألُ اللهَ تعالى أن نَكونَ من الذينَ اتَّبَعوهُم بإحسانٍ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 20 /رمضان /1434هـ، الموافق: 29 /تموز / 2013م