21 ـ دروس رمضانية: أشهد أنه رسول الله, وأنه جاء بالحق

 

 21 ـ دروس رمضانية: أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: من صِفاتِ المؤمنينَ الصَّادقينَ المُخلِصينَ المُحِبِّينَ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُصرَةُ الله تعالى، ونُصرَةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، في سائِرِ أحوالِهِم، وفي سائِرِ أوقاتِهِم وظُروفِهِم، ولا يَشغَلُهُم شيءٌ عن هذا الواجِبِ، قال تعالى في حَقِّ السَّلَفِ الصَّالِحِ من المُهاجِرينَ رَضِيَ اللهُ عنهُم: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون﴾.

أَخَذَ المِيثاقَ على الأنبِياءِ نُصرَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من عِظَمِ مَقامِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَ الله تعالى، أنَّهُ أَخَذَ المِيثاقَ على الأنبِياءِ عليهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أن يَنصُروا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا بُعِثَ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين﴾.

المِيثاقُ هوَ العَهدُ المُؤَكَّدُ المُوَثَّقُ، وهوَ أن يَلتَزِمَ المُعاهِدُ بالعَهدِ الذي أُخِذَ عليهِ، ومعنى إصري: عَهدي.

قال: ﴿فَاشْهَدُوا﴾. أي: لِيَشهَد بَعضُكُم على بَعضٍ، ثمَّ اللهُ شاهِدٌ على إقرارِ النَّبيِّينَ.

وهذا كالعَهدِ الذي أُخِذَ على بَني آدَمَ من عالَمِ الذَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين﴾.

روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا؟

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بي، فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ».

نعم أيُّها الإخوة الكرام: أَخَذَ ربُّنا العَهدَ علينا جميعاً أن لا نُشرِكَ به شيئاً، وأَخَذَ العَهدَ على الأنبِياءِ جميعاً لِنُصرَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإذا كانَ أَخَذَ العَهدَ على الأنبِياءِ، فالأخْذُ على أتباعِهِم من بابِ أَولى وأَولى.

فالسَّعيدُ من كانَ في نُصرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والشَّقِيُّ من تَخَلَّى عن نُصرَتِهِ.

هوَ مَنصورٌ، ولكن:

أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنصورٌ من قِبَلِ ربِّنا عزَّ وجلَّ، ولكن أرادَ اللهُ تعالى أن يُشَرِّفَ عِبادَهُ بِنُصرَةِ المَنصورِ، قال تعالى: ﴿إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا واللهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾.

كيفَ لا يَكونُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنصوراً، واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير﴾؟

كيفَ لا يَكونُ مَنصوراً، واللهُ تعالى نَصَرَهُ في الغارِ ولم يَكُنْ معَهُ إلا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟ فهل لا يَنصُرُهُ اللهُ تعالى اليومَ ومعَهُ من المؤمنينَ ما لا يَعلَمُ عَدَدَهُم إلا اللهُ تعالى؟

فإذا فَرَّطَ المسلِمونَ المُتَأخِّرونَ، ولم يَنصُروا نَبِيَّهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهُمُ السَّبَبُ، وذلكَ لِضَعفِ إيمانِهِم، وضَعفِ صِلَتِهِم بِرَبِّهِم عزَّ وجلَّ، وضَعفِ مَحَبَّتِهِم واتِّباعِهِم لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: كونوا على يَقينٍ بأنَّ اللهَ تعالى ناصِرٌ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وناصِرٌ دِينَهُ، وأنَّ اللهَ تعالى مُظهِرٌ هذا الدِّينَ، وسوفَ يَدخُلُ نورُ الإسلامِ بُيوتَ العالَمِ أجمَع، بِعِزِّ عزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ.

وإذا تَخَلَّتِ الأمَّةُ عن نُصرَةِ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ اللهَ تعالى يُهَيِّئُ لِنُصرَتِهِ من حيثُ لا تَحتَسِبونَ.

روى الطبراني في الكبير عن مُحَمَّد بن كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قال: كَانَ إِسْلامُ حَمْزَةَ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عنهُ حَمِيَّةً، وَكَانَ رَجُلاً رَامِياً، وَكَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَصْطَادُ، فَإِذَا رَجَعَ مَرَّ بِمَجْلِسِ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا يَجْلِسُونَ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَيَمُرُّ بِهِمْ، فَيَقُولُ: رَمَيْتُ كَذَا، وَصَنَعَتُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى مَنْزِلِهِ.

وَأَقْبَلَ مِنْ رَمْيِهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، مَاذَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ مِنْ أَبِي جَهْلِ بن هِشَامٍ؟ وَتَنَاوَلَهُ وَفَعَلَ بِهِ وَفَعَلَ.

فَقَالَ: هَلْ رَآهُ أَحَدٌ؟

قَالَتْ: إِي والله لَقَدْ رَآهُ نَاسٌ.

فَأَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ وَأَبُو جَهْلٍ فِيهِمْ، فَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ، فَقَالَ: رَمَيْتُ كَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا.

ثُمَّ جَمَعَ يَدَهُ بِالْقَوْسِ، فَضَرَبَ بِهَا بَيْنَ أُذُنَيْ أَبِي جَهْلٍ، فَدَقَّ سِيَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: خُذْهَا بِالْقَوْسِ، وَأُخْرَى بِالسَّيْفِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الله.

قَالُوا: يَا أَبَا عُمَارَةَ، إِنَّهُ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَلَوْ كُنْتَ أَنْتَ، وَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُ، مَا أَقْرَرْنَاكَ وَذَاكَ، وَمَا كُنْتَ يَا أَبَا عُمَارَةَ فَاحِشاً.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِيَسألْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نَفسَهُ: أين نُصرَتي لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وأينَ نُصرَتي لِدِيني؟

وأوَّلُ نُصرَةٍ لله ولِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هي أن تَلتَزِمَ أنتَ أوَّلاً بهذا الدِّينِ وبهذا الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإلا فهذا العَبدُ فاشِلٌ في نُصرَةِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وفاشِلٌ في نُصرَةِ دِينِهِ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾.

اللَّهُمَّ وفِّقنا للالتِزامِ بِهَدْيِ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وللالتِزامِ بِدِينِهِ سُلوكاً وعَمَلاً قَبلَ القَولِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 21 /رمضان /1434هـ، الموافق: 30/تموز/ 2013م