28 ـ دروس رمضانية: إذا غضب الله تعالى على قوم نزع الرحمة من قلوبهم

 

 28 ـ دروس رمضانية: إذا غضب الله تعالى على قوم نزع الرحمة من قلوبهم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إذا أرادَ الإنسانُ أن يَعرِفَ مَكانَتَهُ عِندَ الله عزَّ وجلَّ فَليَنظُر إلى صَدرِهِ، فإنْ رَأى فيهِ انشِراحاً للإسلامِ فَليَعلَم بأنَّ اللهَ تعالى قَذَفَ في قَلبِهِ نورَ الهِدايَةِ، وإلا فَليَبكِ على نَفسِهِ، قال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ الله أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِين﴾.

وقال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون﴾.

روى ابن أبي شَيبَةَ عن أبي جَعفر رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الإيمانَ إذا دَخَلَ القَلبَ انفَسَحَ له القَلبُ وانشَرَحَ» وَذَكَرَ هذهِ الآيَةَ ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾.

قالوا: يا رَسولَ الله، وهل لذلِكَ من آيَةٍ يُعرَفُ بها؟

قال: «نَعَم، الإنابَةُ إلى دارِ الخُلودِ، والتَّجافي عن دارِ الغُرورِ، والاستِعدادُ للمَوتِ قَبلَ الموتِ».

إذا غَضِبَ اللهُ تعالى على قَومٍ نَزَعَ الرَّحمَةَ من قُلوبِهِم:

أيُّها الإخوة الكرام: المُعَوَّلُ عَلَيهِ هوَ صَلاحُ القَلبِ، فَبِصَلاحِهِ صَلاحُ الجَوارِحِ، وبِفَسَادِهِ فَسادُ الجَوارِحِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

وقالَ اللهُ تبارَكَ وتعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.

وإذا أرادَ العَبدُ أن يَعرِفَ نَفسَهُ من هوَ؟ وماذا أرادَ اللهُ تعالى به؟ فَليَنظُرْ إلى قَلبِهِ، هل يَجِدُ فيهِ الرَّحمَةَ أم القَسوَةَ؟

فإن وَجَدَ فيهِ الرَّحمَةَ على خَلقِ الله تعالى فَليَعلَم أنَّهُ المَرحومُ إن شاءَ اللهُ تعالى، وإلا فالسَّخَطُ عَلَيهِ من قِبَلِ مَولانا عزَّ وجلَّ.

روى القضاعي عن أبي سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقولُ اللهُ: اُطلُبوا الفَضلَ عِندَ الرُّحَماءِ من عِبادي تَعيشوا في أكنافِهِم، فإنَّ فيهِم رَحمَتي، ولا تَطلُبوها من القَاسِيَةِ قُلوبُهُم، فإنَّ فيهِم سَخَطي».

فقاسي القَلبِ في ضَلالٍ مُبينٍ، ولهُ الوَيلُ يَومَ القِيامَةِ، قال اللهُ تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ الله أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِين﴾.

ويَقولُ مالِكُ بنُ دِينارَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ما ضُرِبَ عَبدٌ بِعُقوبَةٍ أعَظمَ من قَسوَةِ قَلبٍ، وما غَضِبَ اللهُ عزَّ وجلَّ على قَومٍ إلا نَزَعَ منهُمُ الرَّحمَةَ.

أبعَدُ النَّاسِ من الله صاحِبُ القَلبِ القاسي:

أيُّها الإخوة الكرام: أبعَدُ النَّاسِ من الله تعالى صاحِبُ القَلبِ القاسي، روى الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِن الله الْقَلْبُ الْقَاسِي».

أسبابُ قَسوَةِ القَلبِ:

أيُّها الإخوة الكرام: يُعاتِبُ اللهُ تعالى عِبادَهُ المؤمنينَ بِقَولِهِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من أسبابِ خُشوعِ القَلبِ لِذِكرِ الله تعالى وما نَزَلَ من الحَقِّ أن يَترُكَ الإنسانُ أسبابَ قَسوَةِ القَلبِ، والتي من أهَمِّها:

أولاً: الذُّنوبُ والمَعاصي:

روى والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾».

ثانياً: مُجالَسَةِ قُساةِ القُلوبِ:

الصَّاحِبُ يَتَأثَّرُ من صاحِبِهِ، وقد قالَ تعالى في كِتابِهِ العَظيمِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾.

إذا كانَ هذا التَّوجيهُ لسيِّدِ الخَلقِ، فالأمَّةُ من بابِ أَولى وأَولى أن تَلتَزِمَ هذا التَّوجيهَ.

ثالثاً: كَثرَةُ الضَّحِكِ:

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟»

قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله.

قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً، وَلَا تُكْثِر الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: في الخِتامِ أقولُ: من وَجَدَ قَسوَةً في قَلبِهِ فَليُبادِرْ إلى تَليينِ قَلبِهِ، وذلكَ من خِلالِ ما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ.

فَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِم الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».

اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بكَ من قَسوَةِ القَلبِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 28 /رمضان /1434هـ، الموافق: 6/آب/ 2013م