24 ـ دروس رمضانية: التقي هو الطائع الخائف

 

 24 ـ دروس رمضانية: التقي هو الطائع الخائف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: من أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى كانَ اللهُ تعالى معَهُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى جَعَلُ لهُ فُرقاناً، قال تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى أحَبَّهُ اللهُ تعالى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى أزلَفَ اللهُ تعالى له الجَنَّةَ، قال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِين﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى فالعاقِبَةُ لهُ، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى فلهُ مَقامٌ أمينٌ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِين * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِين * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِين * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيم * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى فاللهُ تعالى هوَ وَلِيُّهُ، قال تعالى: ﴿واللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين﴾.

ومن أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالتَّقوى فلهُ جَنَّاتٌ وعُيونٌ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾.

التَّقِيُّ هوَ الطَّائِعُ الخائِفُ:

أيُّها الإخوة الكرام: التَّقِيُّ حَقَّاً من كانَ طائِعاً لله تعالى خائِفاً منهُ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون﴾.

روى الترمذي عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾. قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُم الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟

قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُم الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ».

التَّقِيُّ حَقَّاً من كانَ طائِعاً لله تعالى خائِفاً من الرِّياءِ والشُّهرَةِ والسُّمعَةِ.

روى أبو بكر بن كامل في مُعجَمِهِ وابنُ النَّجَّارِ عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: وَعَظَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوماً، فإذا رَجُلٌ قد صُعِقَ.

فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن ذَا الملَبِّسُ علينا دِينَنَا؟ إن كانَ صادِقاً فَقَد شَهَّرَ نَفسَهُ، وإن كانَ كاذِباً مَحَقَهُ الله».

التَّقِيُّ هو المُسارِعُ في الخَيراتِ، وهوَ لها سابِقٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: الكَثيرُ من النَّاسِ من يَظُنُّ أنَّ المتَّقي يَعيشُ بِنَفسٍ مُطمَئِنَّةٍ، وفُؤادٍ سَيَّالٍ فَرِحاً بما قَدَّمَ، واتِّكالاً على ما بَذَلَ، وسُروراً بما عَمِلَ.

والحَقيقَةُ على غَيرِ ذلكَ تماماً، فالتَّقِيُّ قَلبُهُ وَجِلٌ، تَرتَعِدُ فَرائِصُهُ، لأنَّهُ أيقَنَ بأنَّهُ راجِعٌ إلى الله تعالى، فهوَ يَتَذَكَّرُ هَولَ المَطلَعِ، وعَظَمَةَ المَوقِفِ، آمَنَ بِعَظَمَةِ الله، وأيقَنَ بِجَلالِهِ، ونَظَرَ إلى نِعَمِ الله تعالى عليهِ وإلى عَمَلِهِ وضَآلَتِهِ، وجُهدِهِ وقِلَّتِهِ، وهوَ يَخافُ أن لا يَسلَمَ عَمَلُهُ من خَلَلٍ، ولا يَصفُوَ من رِياءٍ.

التَّقِيُّ كانَ خَوفُهُ طريقاً إلى اطمِئنانِهِ، وَوُصولاً إلى أمانِهِ، وعُنوانُهُ كما وَصَفَ اللهُ تعالى المتَّقينَ: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُون﴾. وقالَ تعالى عنهُم وهُم في الجَنَّةِ: ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِين * فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُوم * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيم﴾. وقالَ فيهِم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون﴾.

«جاءَتِ الرَّاجِفَةُ»:

أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ سيِّدُ أهلِ التُّقى لمن سَبَقَ ولَحِقَ.

روى الترمذي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَت الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: أينَ نحنُ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ؟

روى ابن حِبَّان عن عبيد بن عُمَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أخبِرينَا بأعجَبِ شَيءٍ رَأيتِهِ من رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قال: فَسَكَتَت، ثمَّ قالَت: لمَّا كانَ لَيلَةً من اللَّيالي قال: «يا عَائِشَةُ، ذَريني أتَعَبَّدُ اللَّيلَةَ لِرَبِّي».

قالت: قُلتُ: والله إنِّي لأحِبُّ قُربَكَ، وأحِبُّ ما سَرَّكَ.

قالت: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَلَم يَزَل يَبكي حتَّى بَلَّ حِجرَهُ، ثمَّ بَكَى فَلَم يَزَل يَبكي حتَّى بَلَّ لِحيَتَهُ، ثمَّ بَكى حتَّى بَلَّ الأرضَ، فَجاءَ بِلالٌ يُؤذِنُهُ بالصَّلاةِ، فلمَّا رآهُ يَبكي قال: يا رسولَ الله، تَبكي وقد غَفَرَ اللهُ لكَ ما تَقَدَّمَ من ذَنبِكَ وما تَأخَّرَ؟

قال: «أفلا أكونُ عَبداً شَكوراً! لقد نَزَلَت عَلَيَّ اللَّيلَةَ آيَةٌ، وَيلٌ لمن قَرَأَهَا ولم يَتَفَكَّر فيها: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾».

اللَّهُمَّ أكرِمنا بالتَّقوى. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 24 /رمضان /1434هـ، الموافق: 2/آب/ 2013م