25 ـ دروس رمضانية: اصحب أمثال هؤلاء

 

 25 ـ دروس رمضانية: اصحب أمثال هؤلاء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ أبو الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: تَمامُ التَّقوى أن يَتَّقي اللهَ العَبدُ حتَّى يَتَّقيهِ من مِثقالِ ذَرَّةٍ، حينَ يَترُكُ بَعضَ ما يَرى أنَّهُ حَلالٌ خَشيَةَ أن يَكونَ حَراماً، يَكونُ حِجاباً بَينَهُ وبَينَ الحَرامِ. رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد.

ويَقولُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: آخِ الإخوانَ على قَدْرِ التَّقوى، ولا تَجعَل حَديثَكَ بَذلَةً إلا عِندَ من يَشتَهيهِ، ولا تَضَعْ حَاجَتَكَ إلا عِندَ من يُحِبُّ قَضاءَهَا، ولا تَغبِط الأحياءَ إلا بما تَغبِطُ الأمواتَ، وشاوِر في أمرِكَ الذينَ يَخشَونَ اللهَ عزَّ وجلَّ. كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا.

وقالَ سُفيانُ الثَّورِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

اُبْـلُ الـرِّجَالَ إذَا أَرَدْت إخَاءَهُم   ***   وَتَـوَسَّـمَنَّ أُمُورَهُـمْ وَتَفَقَّدِ

وَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي الْأَمَانَةِ وَالتُّقَى   ***   فَيِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَـاشْدُدِ

وَدَعِ الـتَّـذَلُّلَ وَالـتَّخَـشُّعَ تَبْتَغِي   ***   قُـرْبَ الَّذِي إنْ تَدْنُ مِنْهُ يَبْعُدِ

اِصحَب أمثالَ هؤلاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أرادَ أن يَصِلَ إلى ما وَصَلَ إليهِ المتَّقونَ، عليهِ أن يَصحَبَ أهلَ التَّقوى، لأنَّ المرءَ يَتَأثَّرُ من جَليسِهِ، ومن أرادَ سَعادَةَ الدُّنيا والآخِرَةِ فَليَصحَب هؤلاءِ الرِّجالِ:

أولاً: كانَ في وجهِ سيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ خَطَّانِ أسوَدانِ من كَثرَةِ البُكاءِ، وكانَ يُسمَعُ بُكاؤُهُ من آخِرِ الصُّفوفِ، مَرَّةً سَمِعَ قارِئاً يَقرَأُ قَولَ الله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِع * مَا لَهُ مِن دَافِع﴾. فَصاحَ صَيحَةً وخَرَّ مَغشِيَّاً عليهِ، فَحُمِلَ إلى بَيتِهِ، فَلَم يَزَل مَريضاً في بَيتِهِ شَهراً. من كتاب إحياء علوم الدين.

وكانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَضرِبُ قَدَمَيهِ بالدُّرَّةِ كُلَّ لَيلَةٍ ويَقولُ: ماذا عَمِلتَ اليَومَ؟

وكانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَنعَسُ وهوَ قاعِدٌ، فقيلَ لهُ: يا أميرَ المؤمنينَ، ألا تَنامُ؟

فقال: كيفَ أنامُ؟ إن نِمتُ بالنَّهارِ ضَيَّعتُ أمورَ المسلمينَ، وإن نِمتُ باللَّيلِ ضَيَّعتُ حَظِّي من الله عزَّ وجلَّ.

وحينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قالَ لِوَلَدِهِ عبد الله: يا عبدَ الله، خُذ رَأسي عَن الوِسادَةِ فَضَعْهُ في التُّرابِ، لَعَلَّ الله جَلَّ ذِكرُهُ يَنظُرُ إليَّ فَيَرحَمَني. تاريخ دمشق.

ثانياً: كانَ سيِّدُنا عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَصومُ النَّهارَ، ويَقومُ اللَّيلَ، وكانَ إذا وَقَفَ على قَبرٍ يَبكي، حتَّى تَخضَلَّ لِحيَتُهُ من البُكاءِ، وكانَ يُذكَرُ عِندَهُ الموتُ والجَنَّةُ والنَّارُ أحياناً فلا يَبكي، فَسُئِلَ عن ذلكَ، فقال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والله مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.

ثالثاً: لمَّا حَضَرَتِ الوَفاةُ أبا هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بكى، فقيلَ لهُ: ما يُبكيكَ؟

فَقَالَ: مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، وَإِنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ، لَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُؤْخَذُ بِي. حلية الأولياء.

رابعاً: كانَ تميمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ من العُبَّادِ الصَّوَّامينَ القَوَّامينَ، وقد قامَ اللَّيلَ كُلَّهُ بآيَةٍ واحِدَةٍ حتَّى أصبَحَ، وهيَ قَولُهُ تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُون﴾.

وقد سَألَهُ رَجُلٌ عن قِيامِهِ باللَّيلِ، فَغَضِبَ غَضَباً شديداً، ثمَّ قالَ: والله لَرَكعَةٌ أُصَلِّيها في جَوفِ اللَّيلِ في السِّرِّ أحَبُّ إلَيَّ من أن أُصَلِّيَ اللَّيلَ كُلَّهُ ثمَّ أقُصَّهُ على النَّاسِ. رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد.

خامساً: تَقولُ امرأةُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: قد يَكونُ في الرَّعِيَّةِ من هوَ أكثَرُ صلاةً وصِياماً من عُمَرَ، ولكن ليسَ فيهِم من هوَ أشَدُّ خَوفاً وبُكاءً من عُمَرَ، كانَ إذا صَلَّى العِشاءَ الآخِرَةَ جاءَ إلى بَيتِهِ فألقى بِنَفسِهِ في مِحرابِهِ، فلا يَزالُ يَبكي حتَّى يَطلُعُ الفَجرُ.

بَكَى لَيلَةً مِنَ الليَالِي بُكَاءً شَدِيدَاً فَبَكَت زَوجَتُهُ لِبُكَائِهِ، ثُمَّ سَمِعَ أَهلُهُ بُكَاءَهُ فَبَكُوا لبُكَاءِ عَمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَأَرضَاهُ، فَلَمَّا سَكَنَ وَهَدَأَ قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا الذِي أَبكَاكَ؟ فَوَاللهِ لَقَد أَشفَقنَا عَليكَ، قَال: تَذَكَّرتُ يَومَ القُدُومِ على اللهِ وَمُنصَرَفِ النَّاسِ بَينَ يَدَيهِ، فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وَلَا أَدرِي أَينَ يُذهَبُ بِي؟

 

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: هؤلاءِ هُمُ الرِّجالُ الذينَ آمَنوا بالله واليَومِ الآخِرِ، فلنَبحَثْ عن أمثالِ هؤلاءِ، لِيَكونوا لنا جُلَّاساً، عسى اللهُ تعالى أن يُلحِقَنا بهِم.

اللَّهُمَّ دُلَّنا على من يَدُلُّنا عليكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25 /رمضان /1434هـ، الموافق: 3/آب/ 2013م