31ـ كلمات في مناسبات: درس بعد صلاة فجر يوم النحر 1434: يا أصحاب الابتلاءات

 

 31ـ كلمات في مناسبات: درس بعد صلاة فجر يوم النحر 1434

يا أصحاب الابتلاءات

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرامُ: أبدَأُ هذا اللِّقاءَ بهذا الدُّعاءِ:

إلهَنَا نَعَّمتَنا فلم تَجِدْنا شاكِرينَ، وابتَلَيتَنا فلم تَجِدْنا صابِرينَ، فلا أنتَ أزَلتَ النِّعمَةَ بِتَركِ الشُّكرِ، ولا أدَمتَ الشِّدَّةَ بِتَركِ الصَّبرِ، لأنَّكَ إلهٌ كَريمٌ، ولا يَكونُ من الكَريمِ إلا الكَرَمُ.

اللَّهُمَّ يا من إذا وَعَدَ وَفى، وإذا تَوَعَّدَ تَجاوَزَ وعَفا، أدخِلْ عَظيمَ جُرمِنا في عَظيمِ عَفوِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.

اللَّهُمَّ يا مَوضِعَ كُلِّ شَكوى، ويا سامِعَ كُلِّ نَجوى، ويا شاهِدَ كُلِّ بَلوى، يا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ، ويا كاشِفَ كُلِّ بَلِيَّةٍ، يا من يَملِكُ حَوائِجَ السَّائِلينَ، ويَعلَمُ ضَمائِرَ الصَّامِتينَ، نَدعوكَ دُعاءَ من اشتَدَّت فاقَتُهُ، وضَعُفَت قُوَّتُهُ، وقَلَّت حِيلَتُهُ، نَدعوكَ دُعاءَ الغُرَباءِ المُضطَرِّينَ، الذينَ لا يَجِدونَ لِكَشفِ ما هُم فيهِ إلا أنتَ.

يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ اكشِفْ ما بِنا وبالمُسلِمينَ من ضَعفٍ وذُلٍّ وهَوانٍ وفَقرٍ وحاجَةٍ، كُن عَوناً لنا يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى الله﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: جَميعُ الخَلقِ مُفتَقِرونَ إلى الله عزَّ وجلَّ، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في حالِ غِناهُم قَبلَ فَقرِهِم، وفي حالِ صِحَّتِهِم قَبلَ سَقَمِهِم، وفي حالِ أمنِهِم قَبلَ خَوفِهِم، وفي حالِ قُوَّتِهِم قَبلَ ضَعفِهِم، وفي حالِ طاعَتِهِم قَبلَ مَعصِيَتِهِم، مُفتَقِرونَ إلى الله عزَّ وجلَّ في كُلِّ كَبيرَةٍ وصَغيرَةٍ، وهذا ما أكَّدَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى الله واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد﴾.

الجَميعُ فَقيرٌ إلى الله تعالى، والجَميعُ بِحاجَةٍ إلَيهِ، والعاقِلُ هوَ من فَرَّ إلى الله تعالى، ولَجَأَ إلَيهِ في كلِّ حالٍ، وفي كُلِّ هَمٍّ وغَمٍّ وكَربٍ، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قالَ:

فَقيراً جِـئتُ بَـابَكَ يا إلهي   ***   ولَـستُ إلى عِـبادِكَ بـالفَقـيرِ

غَنِـيَّاً عَـنـهُمُ بِـيَقـينِ قَلبي   ***   وأطمَعُ مِنكَ بالفَضلِ الكَبـيرِ

إلهي مَا سَألتُ سِواكَ عَوناً   ***   فَحَسبي العَونُ من رَبٍّ قَديـرِ

إلهي مَا سَألتُ سِواكَ عَفواً   ***   فَحَسبي العَفوُ من رَبٍّ غَفورِ

إلهي مَا سَألتُ سِواكَ هَدياً   ***   فَحَسبي الهَدْيُ من رَبٍّ بَصيرِ

إذا لم أسـتَعِنْ بِـكَ يـا إلهي   ***   فَمَن عَونيِ سِواكَ ومَن مُجيرِ؟

إليكَ رَفـعتُ يَا رَبِي دُعَائِي   ***   أَجُـودُ عَليهِ بِالــدَّمعِ الـغَزِيرِ إِلهِي مَا يَـئِسنَا إِذ شَــكَـونَـا   ***   فَـإنَّ اليَأسَ يَـفتِكُ بـالضَّـمِير لَـنَـا يَــا رَبِّ إِيـمَانٌ يُــرِيـنَا   ***   جَلَالَ السَّيرِ فِي الدَّربِ العَسِيرِ تَضِيقُ بِـنَا الحَياةُ وحِينَ نَهفُو   ***   إلى نَجــوَاكَ نَحظَى بِالـسُّرُورِ

كم من قَلبٍ حَزينٍ بِسَبَبِ الابتِلاءاتِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: كم من قَلبٍ حَزينٍ في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ؟ كم من عَينٍ تَدمَعُ في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ؟ كم من جُرحٍ يَنزِفُ في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ بِسَبَبِ الابتِلاءاتِ؟

ابتِلاءاتٌ شَديدَةٌ وقاسِيَةٌ أحزَنَتِ القُلوبَ، فكم من عَزيزٍ ذُلَّ؟ وكم من غَنِيٍّ افتَقَرَ؟ وكم من صَحيحٍ مَرِضَ؟ وكم من آمِنٍ رُوِّعَ؟ وكم فُرِّقَ بَينَ زَوجٍ وزَوجَةٍ؟ وكم فُرِّقَ بَينَ والِدٍ وَوَلَدٍ؟ وكم من مالٍ سُلِبَ؟ وكم من بَيتٍ تَهَدَّمَ؟ وكم من زَوجَةٍ رُمِّلَت؟ وكم من طِفلٍ يُتِّمَ؟

لمن نَشكو ونَمُدُّ أيدينا؟

أيُّها الإخوة الكرام: ما مِنَّا من أحَدٍ إلا وهوَ مَجروحٌ، إلا وهوَ حَزينٌ، إلا وهوَ مُتَأَلِّمٌ لما يَجري في بَلَدِنا الحَبيبِ هذا، فلمن نشكو ونَمُدُّ أيدينا؟

المُؤمِنُ الحَقُّ لا يَشكو ولا يَمُدُّ يَدَهُ إلا لمن لا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، إلا لمن لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ، إلا لمن هوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، إلا لمن يَقولُ للشَّيءِ كُنْ فَيَكونُ، إلا لمن هوَ أرحَمُ بالعَبدِ من الأمِّ على وَليدِها، إلا لمن هوَ القائِلُ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين﴾. إلا لمن هوَ القائِلُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون﴾.

فيا أيُّها المَكروبُ المَظلومُ سَلْ مَولاكَ.

ويا أيُّها المَجروحُ المَكلومُ سَلْ مَولاكَ.

ويا أيُّها المَريضُ سَلْ مَولاكَ.

ويا أيُّها المُعسِرُ المَهمومُ سَلْ مَولاكَ.

ويا أيُّها الفَقيرُ المَحرومُ سَلْ مَولاكَ.

ويا أيُّها الخائِفُ القَلِقُ الأرِقُ سَلْ مَولاكَ.

ويا من ضَاقَت عَلَيهِ الدُّنيا بما رَحُبَت سَلْ مَولاكَ.

ويا أصحابَ الحاجاتِ سَلوا مَولاكُم.

﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: هل ونَحنُ نَعيشُ في هذهِ الأزمَةِ القاسِيَةِ التي حَرَقَتِ الأخضَرَ واليابِسَ، نَتَذَكَّرُ قَولَ الله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون﴾؟

أينَ نَحنُ من الشَّكوى لله تعالى؟

أينَ نَحنُ من التَّضَرُّعِ والالتِجاءِ والإلحاحِ على الله تعالى؟

واللهِ الذي لا إلهَ غَيرُهُ، لا كاشِفَ للبَلوى إلا اللهُ تعالى، ولا تَوفيقَ ولا نَجاحَ ولا فَلاحَ إلا بالله تعالى، ولا سَعادَةَ ولا أمنَ ولا استِقرارَ إلا من عِندِ الله تعالى، وصَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَة﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: واللهِ لن يَكشِفَ عنَّا ما نَحنُ فيهِ شَرقٌ ولا غَربٌ، لن يَكشِفَ عنَّا ما نَحنُ فيهِ إلا اللهُ تعالى، فلماذا لا نَتَضَرَّعُ إلَيهِ؟ ولماذا لا نَلجَأُ ونَجأرُ إلَيهِ؟ هل نَسينا قَولَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»؟ رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

ورَحِمَ اللهُ تعالى من قال:

أنتَ المَلاذُ إذا ما أزمَةٌ شَمِلَت   ***   وأنتَ مَلجَأُ مَن ضَاقَت بِهِ الحِيَـلُ

أنتَ المُنادَى بِهِ في كُـلِّ حَـادِثَةٍ   ***   أنتَ الإلهُ وأنتَ الـذُّخـرُ والأمَـلُ

أنتَ الرَّجاءُ لمن سُدَّتْ مَذاهِبُهُ   ***   أنتَ الـدَّليلُ لمن ضَلَّـتْ بِهِ السُّبُلُ

إنَّا قَـصَدنـاكَ والآمَالُ وَاقِـعَةٌ   ***   عَلَيكَ والـكُلُّ مَـلهوفٌ ومُـبتَهِـلُ

يا صاحِبَ الهَمِّ والكَربِ العَظيمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: قُولوا لِصاحِبِ الهَمِّ والكَربِ العَظيمِ، وكُلُّنا ذاكَ الرَّجُلُ: نادِ مَولاكَ وأنتَ مُستَحضِرٌ سيِّدَنا نوحاً عَلَيهِ السَّلامُ، حيثُ يَقُصُّ عَلَينا مَولانا قِصَّتَهُ في القُرآنِ العَظيمِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُون * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم﴾. وقال تعالى: ﴿وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم﴾.

نادِ مَولاكَ يا صاحِبَ الهَمِّ والكَربِ العَظيمِ، وأنتَ مُستَحضِرٌ سيِّدَنا أيُّوبَ عَلَيهِ السَّلامُ، حيثُ يَقُصُّ عَلَينا مَولانا قِصَّتَهُ في القُرآنِ العَظيمِ، قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين﴾.

نادي مَولاكَ يا صاحِبَ الهَمِّ والكَربِ العَظيمِ، وأنتَ مُستَحضِرٌ سيِّدَنا يونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ، حيثُ يَقُصُّ عَلَينا مَولانا قِصَّتَهُ في القُرآنِ العَظيمِ، قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين﴾.

أسألُ اللهَ تعالى أن يُفَرِّجَ الهَمَّ والكَربَ العَظيمَ عنَّا. آمين.

كَبِّروا يَرحَمْكُمُ اللهُ، وقوموا إلى صَلاتِكُم يَرحَمْكُمُ اللهُ.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 10 / ذو الحجة /1434هـ، الموافق: 15/تشرين الثاني / 2013م