32ـ كلمات في مناسبات: رجل قضى عمره داعياً وآخر ظالماً

 

 32ـ كلمات في مناسبات: رجل قضى عمره داعياً وآخر ظالماً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: نَحنُ نَعيشُ في هذهِ الأيَّامِ شِدَّةً تَدُكُّ العِبادَ دَكَّاً، ويَدفَعُ فيها الثَّمَنُ باهِظاً، ثَمَنُ الغَفْلَةِ عن الله تعالى، ثَمَنُ الصُّدودِ عن شَرعِ الله تعالى، ثَمَنُ التَّفريطِ أيَّامَ الرَّخاءِ، ثَمَنُ تَجاوُزِ الحُدودِ الشَّرعِيَّةِ أيَّامَ الأمْنِ والأمانِ.

إنَّ الشَّدائِدَ في طَريقِنا إلى الآخِرَةِ لن تُخطِئَنا ولن نُخطِئَها، وإنَّ خَيرَ ما نَلقى به هذهِ الشَّدائِدَ مَعرِفَةُ الله تعالى، فمن عَرَفَ اللهَ تعالى استَراحَ قَلبُهُ واطمَأنَّتْ نَفسُهُ، من عَرَفَ اللهَ تعالى كانَ سَعيداً في الشَّدائِدِ ـ ولو معَ وُجودِ الألَمِ ـ لأنَّهُ يَعيشُ على أمَلٍ، كما هوَ سَعيدٌ في الرَّخاءِ.

تَبايُنُ أحوالِ النَّاسِ:

أيُّها الإخوة الكرام: كم مَضى من عُمُرِ الحَياةِ؟ وكم سَلَفَ من العُصورِ؟ وكم تَقَلَّبَ من دُهورٍ؟ أُمَمٌ على إثرِها أُمَمٌ، ورِجالٌ على إثرِ رِجالٍ، أحوالٌ مٌتَبايِنَةٌ، وصُوَرٌ مُتَغايِرَةٌ، وأُمورٌ تُدارُ؛ واللهُ عزَّ وجلَّ يَخلُقُ ما يَشاءُ ويَختارُ.

كم هوَ الفارِقُ كَبيرٌ بَينَ رَجُلٍ عَرَفَ اللهَ تعالى في الرَّخاءِ، وبَينَ رَجُلٍ ما عَرَفَ اللهَ تعالى في الشِّدَّةِ فَضْلاً عن الرَّخاءِ؟ كم هوَ الفارِقُ بَينَ رَجُلٍ جَعَلَ لِنَفسِهِ رَصيداً في أيَّامِ الرَّخاءِ، وبَينَ رَجُلٍ أسرَفَ على نَفسِهِ واغتَرَّ بما آتاهُ اللهُ تعالى فلم يَجعَلْ لِنَفسِهِ رَصيداً لا في أيَّامِ الرَّخاءِ ولا في أيَّامِ الشِّدَّةِ؟

سيِّدُنا يونُسُ عَلَيهِ السَّلامُ في لُجَجِ البِحارِ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا سيِّدُنا يونُسُ عَلَيهِ السَّلامُ يَسقُطُ في لُجَجِ البِحارِ حَيثُ ابتَلَعَهُ الحُوتُ، ودَخَلَ في ظُلُماتٍ لا يَعلَمُها أحَدٌ إلا اللهُ تعالى، دَخَلَ في ظُلمَةِ بَطْنِ الحُوتِ، ثمَّ دَخَلَ الحُوتُ في ظُلمَةِ البَحرِ، ثمَّ جاءَتْ ظُلمَةُ اللَّيلِ لِتُغَطِّيَ ظُلمَةَ البَحرِ فَضْلاً عن ظُلمَةِ بَطْنِ الحُوتِ.

هل هُناكَ أحَدٌ غَيرُ الله تعالى يَعرِفُ مَكانَهُ؟ وهل هُناكَ أحَدٌ يَسمَعُ شَكواهُ غَيرُ الله تعالى؟

ربُّنا عزَّ وجلَّ لا يَغيبُ عنهُ مَكانٌ ﴿إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير﴾. ربُّنا عزَّ وجلَّ يَرى النَّحلَةَ السَّوداءَ في اللَّيلَةِ الظَّلماءِ، ويَسمَعُ دَبيبَها على الصَّخرَةِ المَلساءِ.

سيِّدُنا يونُسُ عَلَيهِ السَّلامُ يُنادي مَولاهُ الذي هوَ أقرَبُ للعَبدِ من حَبلِ الوَريدِ، يُناديهِ في تِلكَ الظُّلُماتِ الثَّلاثِ نِداءً من قَلبٍ مَجروحٍ، يَقولُ مُقِرَّاً ومُعتَرِفاً بِوَحدانِيَّةِ الله عزَّ وجلَّ، مُقِرَّاً ومُعتَرِفاً بأنَّ اللهَ تعالى واحِدٌ في ذَاتِهِ، وَوَاحِدٌ في صِفاتِهِ، وَوَاحِدٌ في أفعالِهِ ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنتَ﴾ ثمَّ يُقِرُّ ويَعتَرِفُ بِتَقصيرِهِ في حَقِّ مَولاهُ فَيَقولُ: ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين﴾.

نَتيجَةُ الصِّدْقِ معَ الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ سيِّدُنا الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا كانَ لِيُونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ صَلاةً في بَطْنِ الحُوتِ، ولكن قَدَّمَ عَمَلاً صَالِحاً في حَالِ الرَّخاءِ فَذَكَرَهُ اللهُ تعالى في حَالِ البَلاءِ، وإنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ لَيَرفَعُ صَاحِبَهُ فإذا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأً. اهـ.

أيُّها الإخوة الكرام: من ذَكَرَ اللهَ تعالى في الرَّخاءِ، ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في الشِّدَّةِ، فهذا سيِّدُنا يونُسُ عَلَيهِ السَّلامُ هوَ وَاحِدٌ من هؤلاءِ الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهِم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾. لقد عَرَفوا اللهَ تعالى في الرَّخاءِ فَعَرَفَهُم في الشِّدَّةِ.

ما هيَ نَتيجَةُ سيِّدِنا يونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ عِندَما نادى ربَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين﴾؟

لقد كانَتِ النَّتيجَةُ كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ ثمَّ جَعَلَها اللهُ تعالى عامَّةً للمُؤمِنينَ بِقَولِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين﴾. ولكن يَجِبُ أن لا يَغيبَ عن أذهانِنا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾.

فِرعَونُ في البَحرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: صُورَةٌ مُناقِضَةٌ لِصُورَةِ سيِّدِنا يونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ في البَحرِ كانَت صُورَةَ طَاغِيَةٍ من الطُّغاةِ قَابَلَ نِعمَةَ الله تعالى بالكُفرِ، وانطَبَقَ عَلَيهِ قَولُهُ تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار﴾.

طَاغِيَةٌ عاثَ في الأرضِ فَساداً بِنِعمَةِ الله تعالى عَلَيهِ، طَاغِيَةٌ طَغى وتَجَبَّرَ وتَعَدَّى حتَّى اجتَرَأَ فقالَ: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾. وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾. وقال: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِين﴾.

طَاغِيَةٌ طَغى وبَطَشَ وقَتَّلَ ولِسانُ حالِهِ يَقولُ: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾. وقال لِقَومِهِ: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى﴾.

طَاغِيَةٌ طَغى وتَجَبَّرَ ونَسِيَ حَقيقَةَ قَولِهِ تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.

طَاغِيَةٌ سَخِرَ من سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ فقالَ لهُ: ﴿فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

أرسَلَ اللهُ تعالى لِفِرعَونَ سيِّدَنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ بِقَولِهِ: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى *  فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾. فماذا كانَتِ النَّتيجَةُ؟

لقد كانَتِ النَّتيجَةُ قاسِيَةً في حَقِّهِ، قال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى﴾.

وَقَعَ هذا الطَّاغِيَةُ في البَحرِ بَعدَ أن قَطَعَ الصِّلَةَ معَ الله تعالى نِهائِيَّاً، وأَخَذَهُ اللهُ تعالى أَخْذَ عَزيزٍ مُقتَدِرٍ، فإذا بالطَّاغِيَةِ يَستَسلِمُ ويَقولُ: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِين﴾.

هل نَفَعَهُ هذا الكَلامُ؟ قَطْعاً لم يَنفَعْهُ، لأنَّ اللهَ تعالى قالَ في كِتابِهِ العَظيمِ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾. ما نَفَعَهُ هذا الكَلامُ، بل جاءَ الرَّدُّ صَريحاً: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون﴾.

كُلُّ شَيءٍ يَكرَهُ الظَّالِمَ الطَّاغيَ:

أيُّها الإخوة الكرام: وَقَعَ الطَّاغِيَةُ في اليَمِّ ولُجَجِهِ، يُنادي ويَستَغيثُ ويَستَجيرُ، ويُعلِنُ إيمانَهُ وإسلامَهُ، فَسَمِعَتِ المَلائِكَةُ صَوتَهُ، فَنَزَلَ سيِّدُنا جِبريلُ مُسرِعاً، ولكن ما نَزَلَ مُنجِداً ولا مُغيثاً، بل نَزَلَ وأَخَذَ من وَحْلِ البَحرِ وجَعَلَ يَدُسُّهُ في فَمِهِ خَشيَةَ أن تُدرِكَهُ رَحمَةُ الله تعالى، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا أَغْرَقَ اللهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾. فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ».

نَعَم، أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ الطَّاغي كُلُّ شَيءٍ يَكرَهُهُ من عالَمِ السَّماءِ والأرضِ، كما أنَّ الطَّائِعَ كُلُّ شَيءٍ من عالَمِ السَّماءِ والأرضِ يُحِبُّهُ، عدا فَسَقَةِ الإنسِ والجِنِّ.

الفارِقُ بَينَ غَريقٍ وغَريقٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: الفارِقُ كَبيرٌ بَينَ غَريقٍ وغَريقٍ، سيِّدُنا يونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ وَقَعَ في اليَمِّ وَوَقَعَ في الكَربِ والشِّدَّةِ فَنادى فَسُمِعَ نِداؤُهُ، وكأنَّ المَلائِكَةَ تُطَمْئِنُهُ كما تُطَمْئِنُ الذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثمَّ استَقاموا، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم﴾.

وفِرعَونُ وَقَعَ في اليَمِّ وَوَقَعَ في الكَربِ والشِّدَّةِ فَنادى، ولكن لم يُسمَعْ نِداؤُهُ، وكأنَّ المَلائِكَةَ قالَت لهُم كما قالَت للذينَ لا يَرجونَ لِقاءَ الله تعالى، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الفارِقُ كَبيرٌ بَينَ رَجُلٍ قَضَى عُمُرَهُ في الدَّعوَةِ إلى الله تعالى، وكانَ يَغارُ على دِينِ الله وشَرعِهِ، وكانَ حَريصاً على هِدايَةِ الخَلقِ وإنقاذِهِم من الضَّلالِ إلى الهُدى، وإخراجِهِم من عِبادَةِ العِبادِ إلى عِبادَةِ الله تعالى وَحدَهُ، وبَينَ رَجُلٍ قَضَى عُمُرَهُ في الظُّلمِ والفِسقِ والفُجورِ والكُفرِ والجُحودِ ومُحارَبَةِ الله ورَسولِهِ، وكانَ حَريصاً على استِرقاقِ العِبادِ، وإبعادِهِم عن عِبادَةِ الله تعالى إلى عِبادَتِهِ.

ولا شَكَّ أيُّها الإخوة الكرام بأنَّهُ إذا وَقَعَ الأوَّلُ في كَربٍ وضِيقٍ وشِدَّةٍ فلن يَتَخَلَّى عنهُ مَولانا عزَّ وجلَّ، وبأنَّ الثَّاني إذا وَقَعَ في كَربٍ وضِيقٍ وشِدَّةٍ فلن يُغيثَهُ مَولانا عزَّ وجلَّ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ في قِصَّةِ سيِّدِنا يونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ، وقِصَّةِ فِرعَونَ عِظَةً وعِبرَةً لمن أرادَ أن يَتَذَكَّرَ أو يَعتَبِرَ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَنا مِمَّن يُسارِعُ في الخَيراتِ، ويَدعُوَ اللهَ رَغَباً ورَهَباً، وهوَ لله خاشِعٌ؛ وأسأَلُهُ أن يُفَرِّجَ الكَربَ عن هذهِ الأُمَّةِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 16/محرم /1435هـ، الموافق: 19/تشرين الثاني / 2013م