السؤال :
اختلفت مع زوجتي وأنا في حالة غضب شديد قالت لي زوجتي: إن كنت رجلاً طلقني، فقلت لها: طالق طالق طالق، ونحن الآن نادمين على ما حصل فهل الطلاق واقع أم لا، حيث ما قلت لها: أنت طالق طالق طالق، بل قلت: طالق طالق طالق؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3566
 2010-12-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَحَضْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ اسْتَوْصَاهُ: «لَا تَغْضَبْ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَالوَاجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ في سَاعَةِ الغَضَبِ أَنْ يَكْظِمَ غَيْظَهُ، وَذَلِكَ لِيَنَالَ الجَنَّةَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَمْلِكِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ وَلَمْ يَكْظِمْ غَيْظَهُ فَقَدْ يَنْدَمُ وَلَكِنْ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ؛ هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: الطَّلَاقُ إِذَا كَانَ صَرِيحًا وَوَقَعَ جَوَابًا لِطَلَبٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ جُمْلَةً مُفِيدَةً وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، كَمَا نَصَّتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الشَّافِعِيَّةُ في المُغْنِي وَالبُجَيْرَمِيِّ وَخُلَاصَةِ الفِقْهِ لِابْنِ حَافِظٍ، هَذَا فَضْلًا عَنْ مَذْهَبِ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ الذينَ لَا يَشْتَرِطُونَ في الطَّلَاقِ الجُمْلَةَ المُفِيدَةَ كَمَا تَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَتِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ بِمَا فِيهِمُ السَّادَةُ الشَّافِعِيَّةُ لِأَنَّهُ كَانَ جَوَابًا لِطَلَبِهَا.

وَأَمَّا تَكْرَارُ اللَّفْظِ فَهُوَ عَائِدٌ إلى نِيَّتِكَ، فَإِنْ كَرَّرْتَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِقَصْدِ التَّأْكِيدِ عَلَى اللَّفْظَةِ الأُولَى مِنَ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَاحِدًا، وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَتِ الطَّلَاقَاتُ الثَّلَاثَةُ، وَبِذَلِكَ تَبِينُ زَوْجَتُكَ مِنْكَ بَيْنُونَةً كُبْرَى فَلَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ.

هَذَا إِذَا تَلَفَّظْتَ كَلِمَةَ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ تَعِي مَا تَقُولُ وَلَوْ كُنْتَ في حَالَةِ غَضَبٍ شَدِيدٍ، أَمَّا إِذَا كُنْتَ فَاقِدًا وَعْيَكَ وَلَمْ تَتَذَكَّرْ أَنَّكَ طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ فَطَلَاقُكَ غَيْرُ وَاقِعٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

فَأَنْتَ أَدْرَى بِنَفْسِكَ وَأَنْتَ الذي تَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ كَلَامِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.