طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَطَاعَةُ الوَالِدَيْنِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ تعالى وَاجِبَةٌ، وَغَضَبُ الوَالِدَيْنِ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ يَضُرُّ الوَلَدَ، وَرُبَّمَا ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ».
قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ». هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: إِذَا كَانَ للوَالِدَيْنِ حُقُوقٌ عَلَى الوَلَدِ، فَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ للآخَرِينَ حُقُوقٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْنِي أَنْ يَهْدِرَ حُقُوقَ الآخَرِينَ لِحَقِّ الوَالِدَيْنِ، للحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟
قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا.
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟
قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ.
قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ.
قَالَ: فَأَكَلَ.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ.
ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ.
فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ.
فَصَلَّيَا؛ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَكَمَا أَنَّ لِأُمِّكَ حَقًّا عَلَيْكَ، فَكَذَلِكَ لِزَوْجَتِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَهَذَا الأَمْرُ يَحْتَاجُ إلى حِكْمَةٍ في التَّعَامُلِ مِنْكَ مَعَ أُمِّكَ وَزَوْجَتِكَ، لَا تُغْضِبْ أُمَّكَ، وَلَا تُجَافِ أَهْلَكَ، فَإِنْ أَصَرَّتْ أُمُّكَ عَلَى مَوْقِفِهَا وَأَنْتَ مُضْطَرٌّ للسَّفَرِ، وَهِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْكَ بِوَالِدِكَ أَو بِإِخْوَتِكَ، فَلَا مَانِعَ مِنْ سَفَرِكَ بِزَوْجَتِكَ، وَغَضَبُهَا لَا يُؤَثِّرُ عَلَيْكَ، لِأَنَّ تَرْكَ الزَّوْجَةِ وَحْدَهَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْكَ وَعَلَيْهَا وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، وَمَنْعُ أُمِّكَ لَكَ في سَفَرِ زَوْجَتِكَ مَعَكَ ظُلْمٌ، وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ أُمُّكَ بِحَاجَةٍ إِلَيْكَ، فَأَنْصَحُكَ بِعَدَمِ السَّفَرِ، لِتَنَالَ رِضَا أُمِّكَ وَدُعَاءَهَا لَكَ، وَلَا تَخْسَرْ زَوْجَتَكَ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَكَ رُشْدَكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |