| طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَبْدٌ للهِ تَعَالَى، وَمَا خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَّا لِلْعِبَادَةِ، وَالْعِبَادَةُ هِيَ طَاعَةُ عَابِدٍ لِمَعْبُودٍ، وَأَخْبَرَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا، إِلَّا أَنْ يُطِيعَ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ هذا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَكَمَالُ الْإِيمَانِ بِالِاتِّبَاعِ، وَكُلَّمَا عَظُمَ الْإِيمَانُ عَظُمَ الِاتِّبَاعُ.
وَحَذَّرَنَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ثَالِثًا: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى الْعَبْدَ جُزْءًا مِنْ حُرِّيَّةِ الِاخْتِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَطَاعَ اللهَ تَعَالَى وَأَطَاعَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ عَصَى اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلِاخْتِبَارِ.
وَبَيَّنَ عَاقِبَةَ الْعَبْدِ إِنْ أَطَاعَ أَوْ إِنْ عَصَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.
وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لَسَلَبَ مِنَ الْعَبْدِ حُرِّيَّةَ الِاخْتِيَارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ لِذَلِكَ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْعَبْدِ جُزْءًا مِنَ الْمَشِيئَةِ.
رَابِعًا: الْمَالُ مَالُ اللهِ، رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَهُوَ نَاظِرٌ مَاذَا يَفْعَلُونَ، هَلْ يَصْرِفُ الْعَبْدُ الْمَالَ فِي سَبِيلِ طَاعَتِهِ أَمْ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَتِهِ؟ هَلْ يَجْعَلُ مِنْ هَذَا الْمَالِ هَمْزَةَ وَصْلٍ بَيْنَ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ، أَمْ هَمْزَةَ قَطْعٍ؟ هَلْ يَجْعَلُ مِنْ هَذَا الْمَالِ سَبَبًا لِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ أَمْ سَبَبًا لِتَنَافُرِهَا؟
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَالْعَبْدُ لَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا وَفْقَ أَوَامِرِ سَيِّدِهِ.
وَشَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِهَذَا الْعَبْدِ جُزْءًا مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ، لِيَرَى اللهُ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ أَيَّهُمَا يُقَدِّمُ، هَوَى نَفْسِهِ، أَمْ مَا جَاءَ بِهِ الْحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ بَارٍّ وَعَاقٍّ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ أَعْطَاهَا لِوَلَدِهِ دُونَ الْآخَرِ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ مُسْلِمٍ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ثُمَّ قَالَ: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟».
وَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يُعْطِيَ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْآخَرِينَ ـ لِأَنَّهُ حُرٌّ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذَا الْمَالِ ـ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَثَرِ هَذَا الْعَطَاءِ، هَلْ يَزِيدُ هَذَا الْعَطَاءُ لِلْبَعْضِ دُونَ الْآخَرِينَ ـ وَخَاصَّةً لِلْعَاقِّ ـ هَلْ يَزِيدُهُ بِرًّا أَمْ عُقُوقًا؟
وَهَلْ هَذَا التَّمْيِيزُ يَجْعَلُ أَوَاصِرَ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ تَزْدَادُ، أَمْ تَنْقَلِبُ إِلَى عَدَاوَةٍ؟
أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؟
أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؟
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ»؟ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
فَيَا أَيُّهَا الْحُرُّ فِي مَالِهِ، انْظُرْ إِلَى نَتَائِجِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَطِيَّةِ بَيْنَ أَوْلَادِكَ؛ لَا تَكُنْ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ عُقُوقِ الْعَاقِّ، وَلَا تَكُنْ سَبَبًا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ.
وَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَ لَمْ تُسَوِّ بَيْنَ أَوْلَادِكَ فِي الْعَطِيَّةِ، وَأَنَا قُلْتُ لَكَ: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ»؟
وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْعُقُوقَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْحُقُوقِ.
وَفِي الْخِتَامِ أَقُولُ لَكَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي الْوَطَنِ الَّذِي تَعِيشُ فِيهِ، وَلَكِنْ هَلْ تَتَقَيَّدُ بِالْأَنْظِمَةِ الْوَضْعِيَّةِ أَمْ لَا؟
لِمَاذَا تَتَقَيَّدُ بِالْأَنْظِمَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ حُرٌّ؟!
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. هذا، والله تعالى أعلم.
| جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |