طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالأَصْلُ في عَقْدِ الرَّهْنِ أَنَّهُ جَعْلُ عَيْنٍ مَرْهُونَةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا أَو مِنْ ثَمَنِهَا إِذَا تَعَذَّرَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَنِ المَدِينِ.
يَعْنِي: الرَّاهِنُ اسْتَقْرَضَ مَبْلَغَاً مِنَ المَالِ مِنَ المُرْتَهِنِ، وَأَعْطَاهُ الدَّارَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ السُّكْنَى فِيهَا، بَلْ مِنْ أَجْلِ ضَمَانِ حَقِّهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يُسَدِّدَ الدَّيْنَ المُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ المُرْتَهِنَ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ مِنَ الدَّارِ؛ هَذَا هُوَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ.
أَمَّا انْتِفَاعُ المُرْتَهِنِ مِنَ العَيْنِ المَرْهُونَةِ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ رِبَا، للقَاعِدَةِ التي تَقُولُ: (كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعَاً فَهُوَ رِبَا).
فَالمُرْتَهِنُ يَنْتَفِعُ مِنَ الدَّارِ مُقَابِلَ القَرْضِ الذي دَفَعَهُ للرَّاهِنِ، وَلَوْلَا القَرْضُ لَمَا انْتَفَعَ المُرْتَهِنُ مِنْ دَارِ الرَّاهِنِ.
فَإِذَا أَرَادَ المُرْتَهِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الدَّارِ بِالسَّكَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ أَجْرِ المِثْلِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ في عَقْدِ الرَّهْنِ.
يَعْنِي: الأَجْرُ الحَقِيقِيُّ لِهَذِهِ الدَّارِ، أَمَّا إِذَا دَفَعَ أَجْرَاً رَمْزِيَّاً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ انْتَفَعَ مِنَ الدَّارِ بِأَجْرٍ رَمْزِيٍّ بِسَبَبِ المَالِ الذي دَفَعَهُ للرَّاهِنِ، وَهُنَاكَ بَعْضُ العُلَمَاءِ الصُّلَحَاءِ أَفْتَوْا بِجَوَازِ انْتِفَاعِ المُرْتَهِنِ مِنَ العَيْنِ المَرْهُونَةِ ـ الدَّارِ ـ بِأَجْرٍ رَمْزِيٍّ أَو بِدُونِ أَجْرٍ، لِأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا هَذَا العَقْدَ بَيْعَاً بِالوَفَاءِ، وَأَنَا لَا أُفْتِي بِهَذَا. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |